ثقافةصحيفة البعث

“النائب”.. أوزار بوش الابن على أكتاف تشيني

لا يختلف المهتمون بالشأن الأمريكي على الدور البارز الذي مارسه ديك تشيني خلال توليه منصب النائب لبوش الابن، حتى أنه يعتبر إحدى العلامات البارزة في السياسة الأمريكية، وواحداً من أهم الأسباب التي فتحت الباب على مصراعيه للإدارة الأمريكية في حربها المشؤومة على العراق. السلطة التي تسلح بها تشيني والفرصة التي تمسك فيها بكل قواه لاستغلالها للعمل بكل أريحية ولو من خلف الستار وتمرير إراداته في الإدارة الأمريكية السابقة.

طُموح ودَهاء

هذه الحال كانت البذرة التي ألهمت مخرج فيلم “النائب” وكاتبه لتقديم عمله الذي يوثق للفترة، وتحديداً لتحركات تشيني كاشفاً ما كان يحدث في الخفاء وبعيداً عن الأضواء في الإدارة الأمريكية.

وبرغم شخصيته البعيدة كل البعد عن الجاذبية الاجتماعية غير القادرة على فرض حضورها في المحيط من حوله؛ استطاع تشيني الطامح للسلطة أن يترك بصمته ويحدث تأثيراً ليس بالقليل، بينما أظهره الفيلم من جانب آخر كأب مثالي محب لعائلته وهو الشيء الذي أثار سخرية شريحة واسعة من المشاهدين، لتبدو الحكاية بمجملها نوعاً من غسيل لصورة بوش الابن، إذ ظهر تشيني هو الرئيس الحقيقي والمسؤول والمخطط للكثير من القرارات المفصلية وخصوصاً ما يتعلق بالحروب الأمريكية، والتي كان أهمها غزو العراق بارتداداتها حتى على الإدارة الأمريكية.

“الطيب” والانتهازي

في بداية الفيلم يظهر الرئيس بوش مستهتراً وضعيفاً وهو يعرض على “تشيني” تولي منصب النائب في فترته الرئاسية المقبلة “أريدك أن تكون معي، أن تكون نائباً لي” ليجيبه تشيني بخبث العارف بشخصية بوش:

– “جورج أنت تعلم أني أشغل الآن منصب رئيس مجلس إدارة شركة كبرى بينما كنت من قبل وزيراً للدفاع وتسلمت مهام كبير موظفي البيت الأبيض، ومنصب النائب سيكون رمزياً نوعاً ما، لكننا يمكن التوصل إلى اتفاق ما إذا ما توليت بعض المهام الروتينية كالجيش والطاقة والسياسة الخارجية”.

–  صحيح، الأمر يروق لي، ويمكننا فعل ذلك سوية، يجيبه بوش بشكل عادي.

وعلى عكس الصورة التي ظهر فيها بوش في فيلم “دبليو” الذي أظهره كشخصية هشّة ورئيسٍ فاشل، يقدمه المخرج  بأداء من “سام روكويل” كشخص طيب وإنساني يتعرض للكثير من المواقف الانتهازية من قبل نائبه، الأمر الذي كان واضحاً من مشهد البداية وأثناء الاتفاق ما بين الرجلين للعمل سوية.

المخرج عرّج على بدايات تشيني وفي شبابه، الفترة التي بدا فيها سكيراً يعاني فشلاً دراسياً في الجامعة ولديه الكثير من الإشكالات مع رجال الشرطة، لكنه وبضغط من حبيبته لين التي ستغدو زوجته فيما بعد والداعمة له والمشجعة والناصحة في العديد من المواقف “لا تنس أنك عندما تمتلك السلطة والقوة سوف تواجه العديد من الأشخاص والجماعات التي ستحاول سلبك إياها وتجريدك منها” هكذا سيضطر للعمل على تحقيق بعض الإنجازات الدراسية التي تسمح لعلاقتهما بالاستمرار، وكما في الحقيقة يمر الفيلم على المرحلة التي بدأ تشيني حياته السياسية بعد التخرج من الجامعة والتدريب في الكونغرس الأمريكي حيث بهرته دائماً شخصية رامسفيلد فتمثل بها، ليبدأ العمل في فريق الرئيس نيكسون وتأتيه فرصته الذهبية فيما بعد للعمل كنائب للرئيس بوش، ويستولي بكثير من الدهاء والخبث على عدد من صلاحياته والملفات الهامة، ليكون صاحب الدور الأبرز في الكثير من القرارات وبشكل أخص في الفترة ما بعد أحداث أيلول في العام 2001، ويتخذ من ضرورة القضاء على تنظيم القاعدة حجة لغزو العراق، الحرب التي لا تزال مفاعيلها قائمة حتى اليوم.

الفيلم اشتُغل بروح الكوميديا السوداء والتي في الكثير من المشاهد التي أثارت الضحك والسخرية كانت تتناول أحداثاً مأساوية وكارثية لبلاد ما تزال تعاني آثارها حتى اليوم، وهو مبني كما صرّح مخرجه على القصة الحقيقية لشخص تشيني الحقيقي تلك التي استلهم المخرج إحداثياتها من كتاب يتناول تشيني إبان فترة بوش الرئاسية، والتي أدهشته بتلك القدرة التي امتلكها تشيني والفرصة التي التقطها والعمل الذي قام به بكل صمت ودهاء لتمرير سياساته ربما وليست سياسات الرئيس بوش، ليكون الفيلم بحق أحد الأعمال التي تحاول تبرير أو تلميع صورة بوش الابن وتحميل نائبه وزر الكثير من القرارات الغبية التي اتخذت حينها.

بشرى الحكيم