دراساتصحيفة البعث

ما الذي يجري في “بريكست” وماذا بعد ذلك؟

ترجمة: سلام بدور

عن موقع الغارديان 11/1/2019

بعد سنتين ونصف، وسلسلة من المفاوضات المشحونة عقب تصويت المملكة المتحدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي، تمكّن الطرفان من توقيع اتفاقية الطلاق المكوّنة من جزأين في أواخر العام الماضي، حيث يتضمن الجزء الأول اتفاق الانسحاب المؤلف من 585 صفحة والتي تغطي حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة والمواطنين البريطانيين في القارة، والمبلغ الذي يجب على بريطانيا أن تدفعه للالتزامات السابقة، إضافة إلى آلية تجنّب الجمارك، وغيرها من الضوابط الحدودية بين إيرلندا الشمالية والجمهورية.

أما الجزء الثاني فهو عبارة عن إعلان سياسي أقصر بكثير من الشكل الذي كانوا يرغبون في أن تتخذه علاقاتهم التجارية، وهو ما يصاغ بشكل غامض بما فيه الكفاية، وذلك للوصول لأي نتيجة، سواء أكانت العلاقة الوثيقة على غرار الطراز النرويجي أم ترتيب تبادل تجاري حرّ كالذي تمّ توقيعه بين الاتحاد الأوروبي وكندا.

ومن الناحية النظرية، يجب أن يوافق البرلمان الآن على هذه الحزمة بأكملها، وبالتالي يمكن تمرير التشريع اللازم للسماح للمملكة المتحدة بترك الاتحاد الأوروبي رسمياً كما هو مخطّط في نهاية عملية المادة 50 والتي مدتها سنتان في 29 آذار القادم، حيث ستدخل بريطانيا بعد ذلك فترة انتقالية مدتها 20 شهراً لن يتغيّر خلالها الكثير، وسيتمّ التفاوض على العلاقة المستقبلية التي ستدخل أخيراً إلى العالم الكبير في كانون الأول 2020.

من ناحية أخرى يخشى أعضاء البرلمان المؤيدون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن تبقى بريطانيا عالقة في المدار التنظيمي للاتحاد الأوروبي، أما المعارضون للخروج فيقولون إن الصفقة هي مخاطرة بمغادرة البلاد اقتصادياً دون أن يكون لها أي دور في عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي، وهذا سيكون أسوأ من أي جولة من جولات البقاء في الاتحاد، حسب رأيهم.

من جهته يرفض حزب العمل المعارض، وعدد كبير من المحافظين المتشددين صفقة الخروج، كما يعارضها أيضاً الحزب الوحدوي الديمقراطي، والذي تعتمد عليه الحكومة لغالبيته، تاركاً بذلك الحكومة تواجه هزيمة ساحقة في مجلس العموم البريطاني، وهذا ما دفع رئيسة الوزراء تيريزا ماي إلى سحب تصويت مجلس العموم على الاتفاق الذي كان مخططاً له قبل عيد الميلاد وإعادة جدولته في 15 كانون الثاني الجاري، على أمل أن تتمكّن من إجبار الاتحاد الأوروبي على تقديم تنازلات أو ضمانات من شأنها أن تكسبها معارضيها أو ما يكفي منهم.

أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي فإنه لم يتزحزح عن موقفه، فالاتفاقية ملزمة قانونياً وتوافق عليها 27 دولة، ولن يعاد فتحها ومن الصعب رؤية الضمانات التكميلية التي يمكن تقديمها والتي من شأنها أن ترضي البريطانيين المؤيدين للانفصال. ورغم ذلك لم تضعف المقاومة البريطانية، حيث قامت الحكومة بالتراجع في محاولة منها لخفض الصفقات الجانبية بشكل تعديلات على المعترضين على الصفقة، حيث يعتقد بعض المراقبين أن هذا التكتيك سيعمل. وفي هذه الأثناء يخوض معارضو رئيسة الوزراء تيريزا ماي في مجلس العموم حرب عصابات إجرائية، محاولين الانتصار على التعديلات التي تهدف إلى انتزاع مزيد من السلطة من الحكومة، وإعطائها للبرلمانيين بدلاً من ذلك، ولاسيما إذا لم يكن هناك أي اتفاق محتمل للانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

إلا أن المشكلة تكمن بأنه في حال عدم وجود أغلبية واضحة لاتفاق ماي لن يكون هناك أغلبية لأي شي آخر لا لاستفتاء ثانٍ، ولا لانتخابات جديدة، ولن يكون هناك صفقة وهو الشيء الذي يراه معظم الاقتصاديين ومجموعات العمل بأنه قد يكون كارثة. وبالتالي وبافتراض أن ماي قد هزمت في 15 كانون الثاني فإن الكثيرين يعتقدون بأن يكون هناك احتمال كبير أن تطلب الحكومة من الاتحاد الأوروبي تمديد مهلة السماح للمادة 50 أو محاولة تطوير منهج بديل للبربكست يمكن للجميع الاتفاق عليه، وبعبارة أخرى فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم ينتهِ بعد.