أخبارصحيفة البعث

التطبيع يعود إلى الواجهة في تونس

 

 

تونس- البعث- محمد بوعود:

تناقلت جُلّ المواقع والصحف ووكالات الأنباء في تونس، ما اعتبروه  فضيحة من العيار الثقيل، تمثّلت في حوار قيل أن وزير السياحة التونسي رينيه الطرابلسي (تونسي من أصول يهودية وصاحب شركات سفر واستثمارات سياحية كبرى) قد أدلى به الى محطة كاي 24 الصهيونية، وتطرّق فيه إلى إمكانية إقامة علاقات بين تونس و”إسرائيل”.
واعتبر الشارع التونسي أن الخطوة هي تتمّة لعديد المبادرات التطبيعية التي تحاول البروز في كل مرّة، ويخمدها الشارع التونسي بكل عنف وتحدّ، رغم أنها محاولات مستميتة لإيجاد موطئ قدم لعقلية التطبيع مع العدو الصهيوني والتي تجد في بعض الجمعيات المشبوهة وحتى في البعض ممن يُحسبون على النّخب الجامعية التونسية، سنداً ودعماً.
ردود الفعل كانت قوية هذه المرة من أعضاء مجلس نواب الشعب، الذين هاجموا بعنف وزير السياحة وحكومة يوسف الشاهد، واعتبروها حكومة عميلة ومطبّعة ومرتهنة للبنك الدولي وتعمل على أجندات خارجية مشبوهة.
النائبة مباركة عواينية، قالت في جلسة عامة للبرلمان التونسي انعقدت مساء الثلاثاء الخامس عشر من الشهر الجاري، أن ما قام به وزير في الحكومة التونسية، جريمة بكل معنى الكلمة، وتنكّر لدماء الشهداء، وركض وراء التطبيع مع كيان مجرم يقوم على اغتصاب الأرض وقتل الشعب الفلسطيني وتشرده وانتهاك الحقوق العربية.
وقالت مباركة عواينية (أرملة الشهيد محمد البراهمي والنائبة بمجلس النواب التونسي عن كتلة الجبهة الشعبية) أن التاريخ سيدوس على كل خائن وكل من تنكّر لدماء الشهداء، وكل من باع قضية الشعب الفلسطيني والأمة العربية بأبخس الأثمان، وفي سبيل أن ترضى عليه القوى الاستعمارية ومؤسسات النقد الدولية.
أما النائب عن حركة الشعب (حركة قومية ناصرية) الدكتور سالم الأبيض، وهو قيادي ووزير سابق، فقد قال: إن من باب الوفاء حتى لدماء الشهداء القادة الفلسطينيين الذين قُتلوا على أرض تونس، والدم الفلسطيني الذي أريق في مجزرة حمام الشطّ، فإنه من العار على الحكومة التونسية أن تمدّ يدها لهذا الكيان الغاصب، وأنه عار سيبقى يلاحق كل من تلوثت يداه بمصافحة أيادي العدو الآثمة.
وقال النائب عن حزب العمال الشيوعي التونسي، عبد المؤمن بن عانسة: إن ما قام به عضو الحكومة رينيه الطرابلسي جريمة في حق التونسيين الذين دفعوا الغالي والنفيس لنصرة القضية الفلسطينية والذين يعتبرونها منذ البداية قضيتهم وقاتلوا في سبيلها مع أشقائهم الفلسطينيين في كل معارك الشرف والكرامة.
ورغم أن الوزير المعني بالأمر قد أكد في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء (وكالة الأخبار الرسمية التونسية) أن حديثه أدلى به إلى صحفي فلسطيني مقيم في تونس ويترأس مكتب وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، إلا أنه تم نقله كما قال إلى وكالات أنباء انكليزية نقلته بدورها إلى القناة الاسرائيلية، وقال أيضاً أنه لا يتدخّل في مسألة التطبيع ويعتبرها قضية سيادية تخص القرار السياسي في تونس وأنه ملتزم بموقف الحكومة التونسية الداعم للقضية الفلسطينية.
وقد لازمت حكومة يوسف الشاهد الصمت، ولم تعلّق على ما يحوم حول وزيرها للسياحة رينيه الطرابلسي، ولم تكلّف نفسها حتى عناء الردّ على الهجمات الإعلامية العنيفة التي تعرّضت لها، والتي وضعتها في خانة المطبّعين، واتهمتها بالتذّيل للصهاينة.
وللتذكير فإن قضية التطبيع التي طفت على السطح أول أمس في تونس، بسبب هذا الوزير، لم تغب أبداً عن الساحة التونسية، بل إن البعض يعتبر تونس محطّ تركيز خاصّ واهتمام كبير من الساعين لفرض التطبيع على الأقطار العربية.
وقد عرفت الساحة التونسية معارك عديدة بين بعض الراغبين في فتح صفحة مع الكيان الغاصب وبين القوى الشعبية والمجتمع المدني والمنظمات والأحزاب، والتي تهبّ كلّها للدفاع عن القضية ورفض التطبيع في كل مرة يقع طرح هذا الموضوع.
وكان حزب المسار (الامتداد الحالي لحركة التجديد والحزب الشيوعي التونسي العريق الذي تأسس منذ بداية عشرينيات القرن الماضي) قد أعلن في الصيف الماضي عن تجميد عضوية القيادي والمؤرخ الجامعي والعميد السابق لكلية الآداب والفنون والإنسانيات الحبيب القزدغلي بشبهة التطبيع مع الصهيونية، على خلفية  اضطلاعه بمسؤولية قيادية في مكتب الجمعية الدولية لمناهضة العنصرية، ذات التوجّه التطبيعي مع الكيان الصهيوني، والتي نالت الاعتراف بها رسمياً من قبل الدولة التونسية بداية العام 2018. والجمعية الدولية لمناهضة العنصرية يترأسها أشرف السلامي وتنفي دائماً أن تكون فرعاً لأية جمعية أجنبية ويقول القائمون عليها  إن الجمعية تونسية وتعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان وعلى أنها تشارك غيرها من الجمعيات المحلية والدولية والمنظمات الدولية غير الحكومية في ترويج ونشر قيم حقوق الإنسان بتونس ومناهضة كل أشكال التمييز والعنصرية. في محاولة مستميتة لنفي صلتها برابطة (ليكرا) الفرنسية الداعمة علناً للتطبيع والعاملة من أجله.
وكانت الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة السامية “ليكرا”، قد دشّنت بصفة رسمية فرعها في تونس 10 تشرين الثاني 2018، وأن من أولوياتها في تونس حماية الأقليات.
ولعل من أكثر المفاجآت التي صدمت الرأي العام بهذا الخصوص، هو حرص القائد العام للكشافة التونسية وحيد العبيدي (منتمي لحركة النهضة) على استدعاء ممثل للكشافة الإسرائيلية في المؤتمر الذي انتظم السنة الماضية لتجديد مكتب الكشافة التونسية.
وهو نفس ما قام به زميله في حركة النهضة، رئيس جامعة التايكواندو أحمد قعلول (الذي عُيّن مؤخراً كاتب دولة مكلفاً بالرياضة في حكومة الشاهد)،  الذي سمح لوفد رياضي “إسرائيلي” في فعاليات البطولة العالمية للتايكواندو التي يترأسها والتي أقيمت في تونس أواخر 2018.
فهل ينجح القائمون على التطبيع في فرضه كسياسة أمر واقع في تونس، بعد أن نجحوا في تمريره في الخليج العربي وتحويله إلى علاقات رسمية، أم أن تصدّي الشعب التونسي ونُخبه سيهزم هذا المشروع؟.