تحقيقاتصحيفة البعث

“إيثار” المواطنة!

 

ينشغل الناس في هذه الأيام بالبحث عن الكثير من المفاهيم والأدبيات المندثرة في غياهب الأحداث، فمثلاً أين نحن من معاني وأخلاق “الجسد الواحد” الذي تُغتال أدبياته آلاف المرات على مدار الساعة، خاصة مع تعميم ثقافة (أنا ومن بعدي الطوفان) التي يتعرّض مفهوم “المواطنة” ضمن يومياتها لانتهاكات خطيرة تحت عباءة الظروف الاستثنائية التي منحت كل غشاش وسمسار وطفيلي “وسام الشطارة والفهلوية” بعد أن تنامت حالة التخلي عن الكثير من المفاهيم التربوية والاجتماعية، وتمادى البعض في خرق القوانين، والتمترس في خانة طمس هيبة القانون، ونكران الجهود التي تبذلها المؤسسات والجهات المعنية، ومازالت، لحماية حاضر الناس ومستقبلهم، بالرغم من إمعان شطار هذا الزمان في تحييدهم للمصلحة العامة، وإدارة ظهورهم للمجتمع وهم بكامل وعيهم المشوه، وانتماءاتهم الزائفة القابلة للسقوط في أول امتحان حقيقي، وطبعاً نحن هنا لا نسعى لتبرئة أية جهة من التقصير، بل نحاول أن نقدم الوجه الآخر للحقيقة التي نتجاهلها دائماً تحت عنوان فساد المؤسسات العامة الذي بتنا كمواطنين مكوناً أساسياً في منظومته المعيشية!.
وطبعاً ما نعيشه اليوم ليس إلا امتحاناً حقيقياً لمفهوم المواطنة الذي تثبت الشواهد اليومية حالة التخلي عن مبادئه، وانحسار حضوره أمام مد الانتهازية الذي شكّل حاضنة لتنامي نوع قاتل من الطفيليات المتغلغلة في كل مكان بخلاياها السامة المسرطنة التي تم تجنيدها بشكل مباشر أو غير مباشر في مشروع تدمير الدولة، والإساءة لكافة مؤسساتها، فمثلاً من يحاول الحصول على عدد كبير من أسطوانات الغاز ليحرم بذلك جاره من فرصة النجاة بإحدى الأسطوانات في هذه الأزمة الخانقة، والحالة ذاتها في بقية الاحتياجات والمستلزمات التي باتت صعبة المنال، خاصة مع غياب مفاهيم الإيثار والتعاضد المجتمعي، وتبني الغالبية شريعة الغاب.
بالمحصلة عندما نسكت أو نتغاضى عن النشطاء في سوق الاحتكار والغش، وعن مئات الحالات التي استخدمت فيها كافة الأساليب، وبمساعدة بعض الجهات الرقابية التي حللت بتصرفاتها غير المسؤولة وسلوكها المشين إدانة أبوة الدولة، واتهامها بالفساد، وبرؤوا أنفسهم والمحتكرين تحت عنوان (شراء الذمم)، أو ضمن تصنيف (مدعوم)، فنحن شركاء بهذه الجريمة، ونشجع على تكاثر من يرى مصلحة الوطن من فتحات جيوبه فقط، ولسنا سوى مواطنين مخطئين بحق أنفسنا، وعاقين لمصلحة بلدنا، فالمواطنة ليست مجرد هوية، وليست حقوقاً مدنية، وسياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية فقط، بل هي أيضاً واجبات ومسؤوليات علينا جميعاً أن نتعاون لتجسيدها قولاً وعملاً.

بشير فرزان