صحيفة البعثمحليات

حيل تنموية

 

تفرض الظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة نفسها على طرائق التدبير والحيلة التي أثبتت شطارة المواطن في امتلاك زمام المبادرة فيها، فخارج النشاط القانوني والمؤسساتي ثمة صيغ وقنوات أهلية ومجتمعية فعلت فعلها في أزمان الاستقرار، فكيف الحال في أيام الأزمة؟ فالاستعداد والتجهيز الذي استطاع التكافل أن يتحصن به عبر إيجاد البدائل والحلول الكفيلة بتأمين أصول مالية ومادية تساعد في إخراج المشاركين من “الزنقات” بشكل مباشر يخلو من روتين المؤسسات المصرفية وبيروقراطية مصادر وبيوت الإقراض والتمويل.؟
القصة باختصار هي حكاية “الجمعيات” التي اشتغلت عليها الشرائح والفئات أياً يك مستوى دخولها ومصادر رزقها، لتنتشر هذه الثقافة الإيجابية بين أهل الوظيفة الواحدة وزملاء العمل وجيران الحي في أي نشاط وقطاع عام أو خاص، وفي صور أخرى وصلت الجمعيات إلى التجمعات والأحياء السكنية لخلق فرص من السيولة التي تؤمن المتطلبات والاحتياجات، وفي حالات متقدمة تلبية التمويل اللازم لمشروعات شخصية واستثمارية صغيرة ومتوسطة ومتناهية الصغر وقريبة من الكبر، عندما يتحالف أصحاب الأنشطة الصناعية والتجارية ليؤسسوا لجمعيات دسمة تتناسب ومستوى المشاركين فيها.
الجمعية بالتعريف المحلي هي توافق مجموعة من الأشخاص لإنشاء مايشبه البنك الوهمي، وقوامه الاتفاق على خلق كتلة مالية بالتكافل والتعاضد وبمساهمة متساوية؛ ما يؤدي إلى ضمان مبلغ مالي متحرر من أي إجراء أو فوائد ولا وجع رأس من هذا النوع أو ذاك، بل الثقة الشخصية المتبادلة كفيلة بالانضمام إلى هذا الحلف أوذاك.
وتجنباً لتعقيدات وإشكاليات معروفة تواجه المقترض على أبواب البنوك العامة والخاصة والاضطرار لتأسيس إضبارة قوامها الضمانات الكافية والكفالات الموثوقة بالأوراق والثبوتيات وهذا مالا نجده في هيكليات الجمعيات البسيطة وحتى الأكثر تعقيداً منها، تجنباً لذلك كله كان الخيار الأضمن والأفضل هو تشكيل مجموعات محلية حسب الإقامة أو مكان العمل لتنشيط العملية التي يتباهى بها المجتمع على أنها قرض بلا فائدة.
اليوم ثمة ما يدعو للقيام بدور أكبر في هذا المجال، فأمام تجميد القروض في المصارف العامة بسبب الظروف الراهنة وعدم ثقة الناس كثيراً بالمصارف العامة أو الخاصة، راح الجميع يسعى لتأسيس أو الانضمام إلى هذه الخلايا التنموية الصغيرة لقضاء الحاجات وتأمين السيولة اللازمة في الحياة العامة – استهلاكية كانت أو استثمارية – وفي حالات متقدمة توظيفاًً من درجة خمسة نجوم على مقاس رجال الأعمال والمكتنزين، وبالعموم تبقى الجمعيات ثقافة تتناسب ومتوسطي الدخل من موظفين وأعمال حرة، وهي ابتكار يتحايل على الظروف والحاجات التي تعجر المؤسسات وبيوتات الإقراض عن تقديمها.
بالمجمل نحن أمام مفاعيل ونتائج مهمة جداً اقتصادياً واجتماعياً، والمنافع أكبر من مجرد التملص من فوائد البنوك، لتصب في خانة تأكيد التكافل والتضامن وشد وثاق الشرائج والفئات، وحلحلة الأزمات المالية للشركاء الأصدقاء ومن يلف لفيفهم، في وقت من الحري بالمعنيين الاشتغال على ميزات هذه الحالة والثقافة، وتشجيعها.. لابل الاستفادة من خصوصياتها وثمارها التنموية.
علي بلال قاسم