ثقافةصحيفة البعث

“يوم احتراق الذاكرة”.. عذوبة في اللفظ وعمق في المعنى

ليس غريبا على شاعرة اكتوت بنيران الحرب وعاشت تقلباتها لحظة بلحظة ودمعة بدمعة ،ونحيبا يتلو نحيبا أن تبدأ مجموعتها الشعرية الجديدة بنداء لوطنها:

“وطني.. ويوجعني نداؤك في دمي/وتطوف بي.. عصفا.. سياط النار/أصحو../ فيقهرني لهاثك صامتا/وأنام../ حين أنام/.. بعد دوار”

وهذا النداء لا يحتاج لأداة لأنه من ذلك الوفاء المعهود عند الشعراء حين يستبد بهم الوجع، حينها يكاد صوتهم يختنق ولا يصل إلى حناجرهم، هكذا حال شاعرتنا لينا منير حمدان وهي شاعرة مجدة امتهنت الحرف والكلمة، ونذرتهما لوطنها، وتكاد تخصه بمعظم أناشيدها وهو الحبيب الحاضر والمغيب. وهي في (ارتعاشات) تنصت إليه وهو يقول لها:

ما زلت تبتسمين من شغف لحبات الندى../لا زلت رغم العصف../ والموت العنيد

تقطرين الضوء ينبض نوره../ ليحز هاتيك المدى.

ألا ترون من خلال هذه الكلمات وغيرها حجم وافر في المجموعة أنها تستحق المتابعة والقراءة؟ ومع أنها تسأل عما تضيفه بعدما كسرت أصابعها، فقد أضافت جديدا وجميلا للمشهد الشعري المعاصر، وبودي لو أتمكن من الإحاطة به، وتقديمه كما يليق بالشعر أن يقدم، وهي التي توهجت مقل المسا لتفيض بها، وهي أيضا: الله في عينيك حط رحاله وارتاح يوم سألته غفرانه.

سأبدأ من “حمص القديمة” وهي القصيدة التي توقفت كثيرا عند منسوب عذوبة الشعر حين يكون من القلب، وحين يطغى المكان بجبروته على فؤاد الشاعرة:

حذرا بدا/.. شجو المحبة يشتكي بالحدس إيقاع الخطر/حمص القديمة.. والدروب تغيرت/كالطير رفرف يستحث الريح.. من غصص السفر.

وبعد أن تصف حال الرصيف وضبابه الثمل وكيف يلهث بالرحيل بما يشبه حزن أوراق الشجر تعلن أو تصرخ :

حمص القديمة.. ترتدي أحشاءها.

ولكي تكتمل الصورة تتابع عبر التنبيه وتحديد المكان:

وهناك مثل الياسمين تفتحت بالنور أغنية../ولكن لم تعد تجد السياج/فراح يتكئ الحنين على أكف العابرين/ويبلغ النداء مداه حيث تصرخ ككل المتعبين:

يا رب.. حمص حدودها قلب.. ولهفة أضلع

ومن حمص إلى (هجرة السنونو) وهنا لابد من الوقوف عند هذا التفاؤل الذي أرادته لينا حمدان، واختارت أسئلتها في كثير من العناية والاهتمام انطلاقا من أن السؤال يحمل في طياته الكثير مما يتصل أو يكون جوابا، فبعدما أكدت أنهم:

كبروا ورفت في فضاء الكون تلك الأجنحة/فرحت بهم كتب.. ونقط دمعها.. ويمر كف العيد يرسل أحرفا خرسا، وأغنية تقطع وجدها عبر الأثير نهض السؤال مدويا:

أتراه هذا الدرب آت بالخطا/أم أن موج البحر يخفق كل يوم.. بالشجن؟

ومن حقنا السؤال عن حالة الحب التي مرت بها وحملتها إلينا القصيدة، وكيف اختلطت الضحكات بالبكاء فعن أي حب تتحدث:

عندما كنت صغيرة../حط فوق الكف طير من بريق/لونه وجد وفي تغريده شمس بدت تهدي لعيني الندى/وتصب في القلب الحريق/لكن الينبوع ضيع ماءه ص 32 بعدما عبرت مواويل وصار القلب بعد العمر محشوا بطين مر الزمان فقام السؤال:

من ذا يلملم من عيون الليل سهد القلب والناي الحزين.

علي الاعتراف أنني لم أطلع على تجربة الشاعرة لينا حمدان سابقا وهذا تقصير مني ربما أو أنها لم تحظ بالكثير من الأضواء كغيرها. وهي في هذه المجموعة إضافة لما حملته من تعدد الأصوات وامتلاك الموسيقى والعديد من الومضات قد أضافت وتضيف عصارة قلب ولهفة مبدعة.

رياض طبرة