اقتصادصحيفة البعث

المهام الإدارية بين الإقدام والإحجام

 

لا غرابة أن تكون معظم المهام الإدارية والمنظماتية محط طموحات الكثيرين، وخاصة بالنسبة لأولئك الساعين لتحقيق المزيد من المكاسب المادية والمعنوية والاستئثار بالميزات المتنوعة والمتعددة، ولكن الغريب أن تكون أغلب المهام المتميزة من نصيب بعض من تبوؤها لعشرات السنين، وفي نفس المهمة، أو الانتقال بشكل متتالٍ من مهمة متميزة إلى أخرى مثيلة، مع تعدد وتنوع مسالك الطرق الموصلة إلى تبوء هذه المهام، والتي كان بعضها محط أكثر من تساؤل وتعليق، أياً كانت مبرراتها وتسمياتها، علماً أن أغلب العمل الملقى على عاتق العديد من أصحاب هذه المهام، ينجزه فريق العمل المرافق، بل ربما تفرغ بعض عمال هذا الفريق للعمل – جزئياً أو كلياً – لما فيه الصالح الشخصي لصاحب المهمة، وبالتالي لا حرج من القول: إن واقع الحال أظهر أن بعض من عبروا هذه المسالك، حققوا الكثير من الكسب غير المشروع، وكانوا من مرتكبي معظم الفساد وقصور الأداء والخلل الإداري المشكو منه، والذي معظمه مرَّ دون أية مساءلة أو محاسبة، لا بل إنه قد تم تكريم بعضهم بصيغة أو بأخرى، كأن يعين في مهمة أعلى، وأضعف حالات هذا التكريم تجلت بإبقاء بعض المعفيين من مهامهم في بيوتهم – باسم تحت التصرف – يتقاضون رواتبهم دون أي عمل، وبعضهم أوكلت له مهمة جديدة لاحقاً، ولا زالت هذه المهام محط إقدام الكثيرين عليها، رغم الانخفاض النسبي قي حجم الميزات المشروعة المعهودة، ورغم الحالة الجديدة التي تمثلت بالتغيير الذي طال بعض عناصرها بعد مضي سنوات قليلة على تبوئه المهمة، تحت عنوان ضعف الأداء أو لاعتبارات أخرى، ما يؤكد مسؤوليته ومسؤولية من اختاره، والأخذ في الحسبان أن يكون المكلف مدرَّباً ومجرَّباً، وأن يزيد من ذلك عند استلام مهمته، لا أن تكون المهام حقول تدريب وتجريب.
أما فيما يخص أغلب المهام الإدارية الأقل تميزاً والضعيفة المكاسب المادية، فأغلبها كان من نصيب وإقدام شريحة الراغبين بالعمل الوطني، والجادين لتحقيق الكثير من طموحاتهم في الإنتاج والإصلاح والعمل الإنساني، ولعقود خلت كان لكثير منهم دور بنَّاء، ولكن الجديد الذي ظهر، أن بعضهم أصبح يطلب إعفاءه من مهمته، نظراً للمعاناة من بعض الإشكالات التي حدَّت من تحقيق كثير من الطموحات التي ينشدونها، وخاصة ما هو ناجم عن قصور إداراتهم الأعلى؛ ما رتب ضعف قدرتهم على تلبية المتوجب عليه أو المزيد الذي يرغبونه، وأيضاً بسبب التباين الكبير بين الجهد المطلوب والدخل المشروع المنخفض، لانعدام أية ميزات لكثير من المهام الإدارية الوسطى، وآخرون أحجموا عن تسلم هذه المهام، ومن المؤكد أن معظم المُحجِمين هم الأكثر أهلية وكفاءة وخبرة ونزاهة، ما دفع بشريحة أدنى سوية لتبوء هذه المهام، ما انعكس سلباً على هذه الإدارات، وبدأت حالات الضعف والتردي تظهر على بعضها خلافاً للأفضل المنشود تحققه، والمؤسف ظهور عدم رغبة من يتسلم بعض الإدارات.
خلاصة القول نحن نعيش أزمة إدارة، فلا زالت أغلب المهام العليا من نصيب ذوي الشأن والقربى والمصالح، بعيداً عن الالتزام بضرورة تحديد معايير معينة واعتمادها علناً، وتحميل المسيء أو المقصر تبعات ما ترتب على ذلك، ما أضعَف – وما زال يُضْعِف – جدوى اعتماد وتنفيذ أية طروحات تمت بخصوص الإصلاح والتطوير والتحديث المنشود منذ سنوات، والطامة الكبرى إن استمرت الحالة ذاتها في مرحلة إعادة الإعمار، ما يوجب الحد من التعيين الذي لا يراعي معايير الأهلية الإدارية الواجبة التوفر والاعتماد، والتأهيل المسبق للمهام الإدارية والاعتماد العلني لمعايير معينة، واجبة التوفر فيمن توكل له المهمة، وأن يكون المكلف على علم وبينة بواقع الإدارة التي سيستلمها، وما هو الجديد المطلوب منه خلال عام ولأعوام قادمة، في ظل توفر الإمكانات اللازمة بين يديه، ومساءلته عن القصور مع إبقائه في مهمته، حال أبدى تجاوز قصوره، فالمطلوب تطوير المؤسسة لا تغيير مديرها، ومن الضروري إخضاع الكثيرين من حملة الشهادات الجامعية للمعاهد الإدارية العليا واستثمارهم.
أيضاً ضرورة اعتماد ذلك في الإدارات الوسطى والصغيرة، مع الأخذ في الحسبان أهمية منح بعض الميزات المادية للموكلة لهم، شريطة اعتماد توفر نظير لكل مكلف بمهمة، بل أكثر من نظير، خاصة أن إداراتنا مليئة بحملة الشهادات الجامعية، وجامعاتنا تخرج عشرات الآلاف سنوياً، والمعاهد الإدارية المتخصصة في علوم الإدارة محدثة في بلدنا منذ سنوات، وحبذا ألا يغيب عن أولي الأمر أن أزمة الإدارة مقدمة لأزمة الإنتاج.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية