الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

نوافذ 48

عبد الكريم النّاعم

-الذّاكرة ثمرة من ثمار الزّمن، والزمن ليس زمناً بغير ثمار، مُرّة أو حلوة.

-أنت في الظُّلْمة لا تعرف أمداء المسافات، كلّ الأشياء لا تعرف الجلْوة إلاّ حين ينتشر النّور.

-أمضيتُ عمري حيثما التمع الجمالُ تنهّدَ قلبي، وهاأنا الآن لديّ بساتين من الآهات.

-في كلِّ عَتاقةٍ ثمّة شيء يخصّني، ربّما كان الحنين المُضمَر إلى البداءات.

-مرّتْ وهي تخطر بما في زينتها، وبما في جمالها من أبّهة، فسمعتُ صوت صهيل الفضّة.

-آآآه يا زمنَ الشَّهْد الخائف من قُرْص لذاذاته.

-حين شممْتُ رائحة العشب تحوّلت البراري إلى ذاكرة.

-مرَّ بي رجل لا أعرفه، ذو مهابة طافحة، سلّم ووضع يده في يدي وأمسك بيدي بودّ دافئ، بدا عليّ الاستغراب، نظر في عينيّ بعمق، فتذكّرتُ عيون الطيور الحُرّة، حدّق، وحدّد النّظر، فتماسكتُ كيلا يرى الاضطراب في أعماقي، ابتسم ابتسامة ودودة وقال: “أُخرجْ من أحداث الذاكرة إلى ألوان المَشْهَد”، وغادر وهو يخطو بحنان.

-يوم أردتُ مغادرة البلد بحثا عن الرزق، جاءني هاتف في المنام وقال لي: “حين يُصبح الوقت مرارات خالصة، فلا تيأس، لأنّ أقراص العسل لا تُقطَف بأصابع اليأس”.

-غنّى وهو يعزف على الرّباب، بصوت أجشّ حزين، نشر في الجَواء غمامة مُثْقَلَة بمائها، كنتُ في سنّ الشباب، وكان في أوْج الشيخوخة، نظرتُ في عينيه، فلاحت لي شواسع الأمداء، مسّد شاربيه الكثّين وقال موجّهاً الكلام لي: “ليست المسافة بين زمنين السنوات المُتراكمة، بل المشاعر”، ومسح بطرف الشماخ الذي يضعه على رأسه دمعة خفيّة جالتْ في عينيه.

-مازال يذكر، وبعض الذكريات لا تعرف متى تدهمك، مازال يذكر حين رآها فجاءة كيف تجمّعتْ روحه في فمه، وانتشر في الفضاء غمام من رقائق الرّحيق، فقالت له وقد أقبلت مبتسمة: “ما بك”؟، فصمت، فقد كان مشغولا بالأعماق التي اندلعت فيها حرائق الزّنبق البلدي.

-على ورقة صفراء يعرف لونها جيّدا وجد البيت التالي:

تَؤوبُ إلى التّذكار روحي مَهيضَةً      فأَرْفَعُ أقواسَ المدى ناغرَ الجُرحِ

فَخُيِّل إليه أنّ البيت له، فسجّله باسمه.

-فتح كتابا ليرافقه، وليطّلع على ما فيه، فكان أوّل ما طالعته عيناه: “ما أصعب الحياة أن تكون مخاضا دائما”، فاكتفى في ذلك اليوم من القراءة بهذه الجملة.

-على ورقة منسيّة، مرميّة لأزمنة تأذن بفتحها، بإبقائها أو بإتلافها، قرأ بيت الشعر التالي:

اللّيل يبدأ حينَ نَبْدؤهُ      والصّبحُ يبدأُ حالَما نَصْحو

فاستعادتْ ذاكرته قصّة الدّيك المهبول الذي يظنّ أنّ الصباح لا يطلع إذا لم يرتفع صوته، وقصّة أخرى لامرأة كانت جازمة الاعتقاد أنّ الشمس تُشرق حين تفتح عينيها، قد يكون لها بعض العذر في أنّ تفتّح الضوء يحتاج لأنْ تكون مستيقظة لتبدأ الرحلة، فما عذْر ذلك الديك المهبول؟!

aaalnaem@gmail.com