ثقافةصحيفة البعث

مونودراما قدسية وفرادة الأداء

 

بعد عرضها على خشبة مسرح القباني في دمشق عام 2011، يستعيد زيناتي قدسية “مونودراما “أبو شنار” تأليفا وإخراجا وأداء، لتقديمها على مسرح مديرية ثقافي حمص، ضمن حفل تكريم أقيم له من قبل نادي محافظة حمص. وفيه يسعى قدسية لاستعادة التغريبة الفلسطينية، من خلال حكاية عجوز فلسطيني هو الحاج محمود الجزماوي أبو شنار من بلدة إجزم، العجوز الذي نزح من مخيم جباليا في غزة إلى مدينة طنجة على المحيط الأطلسي في المغرب، بعد أن فقد أولاده الأربعة في الكفاح ضد المحتل.

أبو شنار هو نموذج الفلسطيني الرافض لنزع أرضه وتاريخه من ذاكرته، فهو يحملها في “بقجة” ترحاله أينما حلّ، يضع فيها كل ما يربطه بفلسطين من حجة الدار إلى مفتاحها، وحتى قرارات حق العودة واللاءات العربية الثلاثة مخبأة فيها.

أبو شنار يحلم أن ابنه شنار موجود في سلطنة عمان، فيقرر السفر إليه من مغرب الوطن العربي إلى مشرقه، يرى في حلمه أنّ حمامة حملته وطارت به فوق كل البلدان العربية، يمر فوق الجزائر فيرى أحمد بن بلا وجميلة بوحيرد يحتفلان مع الشعب الجزائري بإزالة الحدود العربية، ويصل إلى مصر فيرى المصري يطير فوق السحاب من هنائه وراحة باله، وعندما يصل إلى فلسطين يرى أن لونها أحمر تغطي أرضها ورودا روتها دماء الشهداء في رحلة الكفاح الطويلة عبر ما يقارب المئة عام. لكن أبو شنار عندما يستيقظ من حلمه يرى أن الواقع خلاف كل ما حلم به، فالعرب الذين قسمهم سايكس بيكو الى 22 دولة أصبحوا أكثر انقساما وتشرذما بين قبائل وعشائر ومذاهب وملل متقاتلة، فيقرر العودة إلى النوم لمواصلة حلمه قبل أن يموت قهرا.

يبدأ قدسية “مونودراما” أبو شنار بحالة ارتجالية كسرت حاجز الصمت وخلقت حالة تفاعلية بينه وبين الجمهور من البداية دون أن يترك مجالا لهذه الحالة أن تربك استمرارية تصاعدية أدائه لنوع يعد الأكثر صعوبة ونخبوية في فن المسرح، فقد نجح في السيطرة على مستويات التلقي متجاوزا محنة “الوحدانية” التي تواجه ممثل المونودراما، وقد ساعده على تخطي هذه المحنة عدم لجوئه إلى المنولوج الداخلي لأداء حكاية فيها تداعيات أفكار وذكريات، بل استحضار حلول تبدد ورطة “الوحدانية” وتخلق حالة تفاعلية مع الجمهور عبر إيجاد أشخاص متخيلين أمثال شكيب ومستر جاكرسون والجمهور في الصالة.. حلول لا يجيد ابتداعها إلا ذو باع طويل وخبرة في فن “المونودراما” أمثال زيناتي قدسية الذي يعد أحد أهم المسرحيين العرب في هذا النوع من الأداء، تجريبا وتنظيرا، الذين اشتغلوا على مشروع مونودرامي قدم على خشبات المسارح السورية والعربية.

خبرة مكنته من مواجهة جمهور كبير وذواق، وحيدا، مستخدما كل أدواته المساعدة للسيطرة على إشكالية التلقي وتجاوزها في مسرح الممثل الواحد المربك أمام جمهور متململ، فقد وظف الإيماء وحركة الجسد والصمت والصوت والإضاءة عبر خيال الظل لخلق تنوعات تضفي الحيوية على العرض وتجنب الممثل من الوقوع في مطب “الحكواتي”، دون أن يفقد النص قيمته الفكرية، والرسالة محتواها التهكمي، فقد استطاع قدسية عبر التأليف والأداء من تفكيك شخصية العجوز الفلسطيني للوصول إلى الروح والجسد، لينطلق من عفويتها وبساطتها في حياكة نسيج القصة بأسلوب الصانع المتمكن من حرفته والعارف بحيثيات ما هو مقدم عليه من صنيع.

آصف إبراهيم