تحقيقاتصحيفة البعث

لابد من التغيير المنظومة التعليمية والتربوية.. واقع لا يواكب المستجدات والأحداث وأساليب دون عائدية

أدخلت السلطات الهندية في المقرر الدراسي لنحو مليون تلميذ في مدارس نيودلهي درساً جديداً هو درس السعادة، هذا الإصلاح التعليمي الجديد أطلق بحضور الدالاي لاما، الزعيم الروحي للتيبت الذي أكد أنه بالتعليم المناسب يمكن للمرء تعلّم كيفية التعامل مع الغضب والكراهية والقلق والخوف، حيث دعا إلى ضرورة الاهتمام بالقيم الإنسانية في التعليم، والابتعاد عن النظام الذي يسلّط الضوء فقط على القيم المادية، ومن المؤكد أننا اليوم أحوج ما نكون لتطبيق هذه المقررات في مدارسنا ومناهجنا، خاصة بعد أن تعرّض أطفالنا لصدمات نفسية جراء ما شهدوه وعانوه من مآس وكوارث خلّفتها الحرب، وتركت آثارها واضحة على الوضع النفسي والجسدي للأطفال واليافعين.

ضرورة وحاجة ملحة

هناك الكثير مما نفتقر إليه اليوم في مدارسنا ومناهجنا التي مازالت حتى الآن تتعامل مع الأطفال واليافعين بالعقلية والأسلوب المعتمد قبل الحرب نفسيهما، متجاهلين أو غافلين عن ضرورة التوجه لهذه الأجيال التي كبرت ونشأت في الحرب بطريقة مختلفة كلياً عما كان قبل الأحداث المؤسفة التي عشناها لمدة قاربت ثماني سنوات، فتراها حتى اليوم تعتمد على طريقة تلقف التلميذ للمعلومة بطرق بعيدة كل البعد عن التفاعل، وعدم السماح للطفل بهامش من الحرية للتعبير عن رأيه أو ما يدور في مكنوناته الداخلية، إحدى المعلمات في مرحلة التعليم الأساسي موجودة في السلك التعليمي منذ حوالي خمسة عشر عاماً تحدثت عن طرق البصم والحفظ الغيب الذي مازلنا نعتمدها في مدارسنا، على الرغم من تغيير المناهج عدة مرات لتواكب متطلبات العصر، إذ إن المشكلة الأساسية تكمن من وجهة نظرها في المؤسسات التربوية المعنية، والكادر التدريسي والتعليمي الذي يعاني هو أصلاً من مشاكل ونقص خبرات تجعله منفصلاً عن واقعه، حيث تقول: اليوم نوعية المشكلات التي بتنا نواجهها اختلفت جذرياً، فأطفالنا كبروا خلال سنوات الحرب متجاوزين مرحلة الطفولة والبراءة، لدرجة أنك أصبحت تتفاجأ من ردود أفعالهم، أو طريقة تصرفهم مع بعضهم، أو مع محيطهم، والتي يشوبها الكثير من الخلل والاضطراب، وربما ما هو ضروري اليوم أكثر إعطاء مساحة من الحرية للأطفال ليعبّروا عما يدور في أذهانهم، وتخصيص حصص مدرسية يترك للطفل فيها العنان ليتحدث عن مشاكله، وعن أحلامه، وما يرغب بالحصول عليه بإشراف اختصاصيين نفسيين واجتماعيين من أصحاب الخبرات الذين يمتلكون مهارات التواصل مع الأطفال لبناء الثقة معهم.

تجارب فردية

عدد بسيط جداً من المدارس بدأ بتطبيق هذه النشاطات ضمن حصة مخصصة من كل أسبوع يتم من خلالها تدريب الأطفال على كيفية مواجهة المشكلات، والبحث عن طرق لحلها بشكل ممنهج ومؤسس، المعلمة عبير جديد، مشرفة في إحدى المدارس الخاصة، تحدثت عن تجربة مدرستها فيما يخص هذا الشأن قائلة: بدأنا منذ بداية الفصل الدراسي الثاني من هذا العام بتطبيق ما يمكن أن نطلق عليه اسم مشروع صغير يرتكز على نشاطات متعددة من ضمنها تسليم التلاميذ ورقة معنونة بسؤال عن الشيء الذي يرغب الأطفال بإخبارنا به، وهنا اتضح من خلال الإجابات التي تلقيناها الفجوة الكبيرة بيننا وبين أطفالنا، حيث كان من ضمن الإجابات التي مازالت تثير في نفسي الحزن إجابة لطفل في العاشرة من عمره ذكر فيها أنه يرغب بإخبارنا أنه لا يملك أصدقاء للعب معهم، على الرغم من أنه ظاهرياً يبدو منسجماً مع محيطه، أو هذا ما كنا نظنه، أحد الأطفال كتب في إجابته بأنه لا يتمنى أن يأتي الليل لأنه يخاف من أصوات القصف، وهنا كان يقصد أصوات الضربات التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني خلال الليل، والتي تجعله يربط حلول المساء بحدوثها، مضيفة: إن إجابات الأطفال العفوية والصادقة هي بمثابة مفتاح تتكشف فيه جوانب خفية ومخبوءة من حياة أطفالنا، تساعدنا على تقديم الدعم النفسي لهم، وإعادة الأمان لقلوبهم، حيث يمكننا معالجة هذه المشكلات من خلال تفهم عقلية وخلفية الأطفال من خلال جعل المدرسة سنداً لهم، وعامل أمان وثقة، لا عبئاً، ليكونوا جزءاً من مجتمعهم الأكبر.

بات لزاماً وضرورياً الإسراع بتغيير الأسلوب المتبع مع الأجيال التي نشأت في الحرب، والتي تعاني بالضرورة وبطبيعة الحال من نوعية مختلفة من المشاكل التي يمكن أن يعاني منها الأطفال في ظروف الحياة الطبيعية، وأن يكون هدفنا الأول والأخير في إعادة الإعمار أولاً بناء وتأهيل الإنسان، ومن ثم بناء الحجر، أو على الأقل أن يكون الأمران متوازيين لنتمكن من تأهيل جيل قادر على إعادة سورية إلى دورها الحضاري ومكانتها المميزة، سواء في محيطها القريب أو البعيد.

لينا عدرة