تحقيقاتصحيفة البعث

بسبب الإهمال المنطقة الصناعية في طرطوس.. أضرار متكررة وخسائر كبيرة وتقاذف للمسؤولية بين جهات عديدة

لم يكن بالجديد ما حل مؤخراً بالمنطقة الصناعية في طرطوس، فمشهد الأمطار التي غمرت مياهها المحاضر الصناعية وأقبيتها، وتسببت بأضرار بالغة في البنى التحتية، كان صورة مكررة لما حدث في أعوام ماضية مع بعض التباينات بحجم الأضرار والأذى الذي أصاب أصحاب المنشآت فيها، والذي قدّره بعض المتضررين بما يتجاوز الـ 200 مليون ليرة سورية، وأصبح حالياً محط دعاوى قضائية يطالب المتضررون فيها الجهات المعنية والمسؤولة بالتعويض الفوري عن الخسائر التي لحقت بهم، ولكن من يتحمّل المسؤولية المباشرة عما حدث، فالمسؤولية بدت غائبة فعلاً رغم وجود أطراف عدة تعنى بالموضوع، إن كان الصرف الصحي، أو البلديات المعنية، أو الطرق المركزية، وما كان حاضراً فقط تبادل الاتهامات، ومحاولة كل طرف رمي الكرة بملعب الآخر، إن كان بتعزيل المصارف المطرية، أو بالتصميم الهندسي لآلية تصريف الأمطار في المنطقة الصناعية نتيجة انخفاض أرضها عن المناطق المجاورة، وربما ذهب البعض لأبعد من ذلك بمحاولة تحويل الموضوع لكارثة طبيعية خارجة عن أية إرادة، ليصبح ما حدث مادة دسمة لانتقادات كثيرة ملأت صفحات التواصل الاجتماعي، سواء بالتهكم على الطريقة التي تحولت فيها المنطقة الصناعية لبحيرة تغمرها المياه، أو بالمطالبة من جهة أخرى بتقديم التعويضات، وإيجاد الحلول التي تضمن للصناعيين سلامة أعمالهم حتى لا تتكرر المأساة، فماذا حدث فعلاً؟ وأين موضع التقصير والخلل؟!.
مسؤولية غائبة
مع حديث معظم المتضررين عن مبالغ والتزامات مالية يتم تسديدها لصالح البلدية، وشركة الصرف الصحي، ودفع فواتير وإيصالات لقاء خدمات بقيت غائبة، وظهرت نتائجها بصورة سلبية خلال فصل الشتاء وموسم الأمطار مؤخراً، نفت إدارة شركة الصرف الصحي في اتصال هاتفي علاقة الشركة بالتعامل مع الصرف المطري، وأوضحت على لسان مديرها منصور منصور أن عمل الشركة مقتصر على خطوط الصرف الصحي، وأن العادة جرت مؤخراًً بأن يتم التنسيق مع بلدية طرطوس لقاء دفع التزامات مالية، حيث تم إبرام عقود لتعزيل الشوايات المطرية، والتخفيف من آثار الهطولات المطرية، انتهت بالشهر الخامس، وأضاف: لا يوجد حتى هذه اللحظة أي عقد مع البلدية، والمسؤولية تقع عليها حتى يحدث خلاف ذلك، علماً بأن عمالنا كانوا مستنفرين في أيام الهطول المطري، وعملوا ضمن الإمكانيات المتاحة.

نقل ملاك
وبالعودة إلى بلدية طرطوس حصلنا على معلومات تفصيلية توضح طبيعة العلاقة مع شركة الصرف الصحي، حيث أوضحت المعلومات أنه في العام 2009 تم تشكيل لجنة من قبل المحافظة بالقرار 961 قامت بجرد وتقييم الموجودات الثابتة الخاصة بمرفق الصرف الصحي لدى مجلس المدينة ليصار إلى نقلها إلى الشركة العامة للصرف الصحي بطرطوس، وتم حينها التنسيق بين المعنيين في مجلس المدينة، والشركة، وتأمين الظروف الملائمة لإنجاز هذا الإجراء بشكل لا يؤثر على الخدمة المقدمة للمواطنين، وفي عام 2013 تم نقل كل ما يتعلق بشبكات الصرف الصحي، والتصريف المطري، والشبكات المختلطة ضمن مدينة طرطوس بواقعها الحالي مع مناطق التنمية الاجتماعية، (رأس الشغري، الرادار، وادي الشاطر، والمنطقة الصناعية)، ونقل بعض الآليات والعاملين ضمن مرفق الصرف الصحي لملاك الشركة العامة للصرف في المحافظة، والتعميم لكل الجهات ذات الصلة، وبذلك انتهى دور مجلس المدينة في تقديم الخدمات المتعلقة بمرفقي الصرف الصحي والتصريف المطري اعتباراً من ذلك التاريخ، وأوضحت المعلومات أنه وبحسب المادة 20 في نظام الاستثمار الموحد لشركات الصرف الصحي الصادر بقرار السيد وزير الإسكان رقم 90 لعام 2009، تعتبر الشركات العامة للصرف الصحي الجهة الوحيدة المختصة والمسؤولة عن تنفيذ وصيانة المصارف المطرية ووصلاتها، على أن تتحمّل الوحدات الإدارية تكاليف تنفيذ هذه الوصلات بموجب اتفاق مسبق بين الوحدة الإدارية والشركة المعنية، وبالتالي فإن أي تأخير بالعقود المبرمة حتى وإن حصل لا يعفي الشركة من التزاماتها.

أمطار وافدة
ولكن هل كل ما حدث جاء نتيجة غياب التعزيل الصحيح للشوايات المطرية في المنطقة الصناعية بطرطوس، فالمعلوم أن المنطقة الصناعية التي تمتد على مساحة 100 هكتار، وتضم 1150 مقسماً، تنخفض المساحة التي تشغلها عن المناطق المجاورة، وبحسب حسان حسن، مدير الشؤون الفنية في البلدية، فإن شبكة التصريف المطري الخاصة بالمنطقة الصناعية قادرة في كل الظروف على تصريف كافة الأمطار الساقطة على مساحة المنطقة، لكن ما حدث في العاصفة الأخيرة هو كميات هطول فاقت المتوقع، وبلغت خلال ثماني ساعات حوالي 150 ملم، فكانت المشكلة مع مياه الأمطار الوافدة من خارج المنطقة الصناعية، والأراضي العائدة لبلدية بيت كمونة، أو الحوض الساكن الذي تتدفق المياه خلاله، وتبلغ مساحته حوالي 90 هكتاراً، حيث تتجه المياه المتدفقة عبر طريق صافيتا من المنطقة الشمالية الشرقية للمنطقة الصناعية، والحل بحسب حسن هو إنشاء قناة تصريف مطري لسحب المياه الوافدة من أراضي بيت كمونة باتجاه المسيل الواقع بجانب المنطقة الصناعية، والغزارة المتوقعة بحساباتنا 4 م مكعب بالثانية، وبالتالي تنفيذ قناة جر الصرف المطري بأبعاد 2×2 متر، وهو ما نقوم بدراسته حالياً، وسنقوم بتنفيذها بأقرب فرصة، وهذا من المواضيع الملحة، وزادت الأولوية بالنسبة إليه بعد ما حدث، خاصة أن هذه المياه تسببت بتخريب شديد للبنية التحتية في المنطقة الصناعية، وصيانتها مسؤوليتنا، وأضاف: من ناحية أخرى غالبية الأضرار جاءت نتيجة دخول الأمطار للأقبية، والأقبية في المنطقة الصناعية غير مصرفة، وبالتالي على عاتق الحرفي تجهيزها ميكانيكياً لتصريف المياه فيها، وعدم وضع مواد فيها بفترة الفيضانات، واليوم هناك لجنة تحصي الأضرار ضمن المقاسم للإخوة الحرفيين، وسيتم التعامل مع المتضررين بكل جدية، وكذلك الأضرار بالشبكة، والطرقات، والأوساخ والأتربة التي تجمعت، وهناك تنسيق مشترك مع الصرف الصحي الذي وعد بالتنفيذ والمساهمة بهذه القناة التي قدرت كلفتها بحوالي 250 مليون ليرة سورية.

تحذيرات سابقة
من جهته أكد منذر رمضان، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الحرفيين، فرع طرطوس، أن ما حدث مؤخراًً في المنطقة الصناعية تم التحذير منه بشكل رسمي أكثر من مرة، فالعام الماضي حدث الأمر نفسه، وتشكّلت حينها لجنة مشتركة من الأطراف الأربعة المعنية، وهي شركة الصرف الصحي، والطرق المركزية، وبلدية بيت كمونة، وبلدية طرطوس، وكانت النوايا معالجة الموضوع، وحل مشكلة تراكم المياه وتجمعها في المنطقة الصناعية عبر إنشاء عبارة للمياه تعبر المنطقة الصناعية ضمن مسار محدد، بحيث يتم توجيهها باتجاه الغرب، وعبارة يتم إنشاؤها من الجهة الغربية للمنطقة الصناعية بمحاذاة الاوتستراد ليتم تصريف المياه على مسيل مائي، وأضاف رمضان: رغم أننا طالبنا في ذلك الوقت البلدية وشركة الصرف بالسرعة في المعالجة، وحذرنا أن المنطقة الصناعية قادمة لكارثة إن لم يتم تعزيل المصارف المطرية من الجهة الجنوبية، لم تكن التحركات كما يجب، وتم العمل بشكل إفرادي من قبل بلدية طرطوس، وتنفيذ جزء من المطلوب، ونفذت صيانة لبعض المصارف المطرية في المنطقة الصناعية، كما تم تأمين مسرب مائي بشكل نسبي، ولكن من قبل الصرف الصحي لم يتم القيام بأي جهد بهذا الخصوص، رغم أن الكتاب تم توجيهه للجهتين، وهذا الموضوع درأ الخطر بشكل نسبي، وبحسب ما أكد رمضان أيضاً فإن الفيضان الذي حدث في المنطقة الصناعية ناتج عن المياه التي تم تحديدها عن طريق صافيتها، وليس المنطقة الصناعية، لكن هذا الأمر لا يعني أن المنطقة الصناعية لا تحتاج لإجراء صيانة شاملة للمصارف المطرية، بالإضافة للصرف الصحي للمياه المالحة، وهذا بحاجة لوضع جدول دائم مثل برنامج عمل، وإجراء الصيانة المطلوبة، وقبل فصل الصيف يجب أن يكون هناك استعداد تام، وهذا الأمر ضروري جداً داخل المنطقة الصناعية.

الجميع مسؤول
وأضاف رمضان: هذه المرة لو لم يتم تدارك الوضع، لاحقاً وأثناء العاصفة مع بداية الفجر الأولى، لكانت الأمور أسوأ من ذلك بكثير، ورغم ذلك هناك أضرار عند بعض أصحاب المنشآت قدرت بحدود 300 مليون لآلات الكترونية بحسب تصريح أحد أصحاب المعامل، وفي معمل آخر خسائر بحدود 15 مليوناً، وخسائر كبيرة في البنى التحتية، إضافة لتعطيل المنطقة الصناعية لمدة يوم كامل، ودخول المياه بعدد كبير من السيارات التي تضررت محركاتها، كذلك هناك أضرار غير ملحوظة ونسبية في بعض المنشآت تم التغاضي عنها لحساب الأمور الأكبر، وختم رمضان: ما حدث مؤخراً لا يمكن تبريره أو تجاوزه بأي حال من الأحوال، فهناك مسؤوليات يجب أن يقف الجميع عندها، ولا أحد بمنأى عن المسؤولية، إن كان بلدية كمونة، أو بلدية طرطوس، أو الطرق المركزية، أو شركة الصرف الصحي، والمطلوب لاحقاً التنسيق، وعدم العمل بشكل إفرادي، فالناس والصناعيون يدفعون الالتزامات التي تطلب منهم، إضافة إلى أن شركة الصرف الصحي كل ما لديها مأجور، وهي تتقاضى على فاتورة المياه مبلغاً يقارب 900 ليرة، فالرسم يدفع مقابل خدمات، وفي حال لم تقدم أي خدمة إلا مقابل أجرة يجب إلغاء هذا الرسم!.
صيف وشتاء
أخيراً يشبه حال الترهل الحاصل، والتباطؤ في تنفيذ أعمال الصيانة في الكثير من المواقع الاستراتيجية التي ينبغي عدم التغافل عنها، قصة الشاب الكسول الذي زاره صديقه في الشتاء ووجد سقف منزله يقطر ماء، وهو يضع أواني على الأرض تحت مكان التسريب، فقال له مندهشاً: يا صديقي كل شتاء أزورك وأراك تعاني من تسرب الماء من سقفك، فلماذا لا تصلحه؟ فأجابه الرجل: وكيف أصلحه والأمطار والثلوج تتساقط، لابد أن يكون السقف جافاً، فسأله: لماذا إذاً لم تصلحه بالصيف عندما كان الجو مشمساً؟ فأجاب: ولكنه حينها لا يقطر ماء، فلماذا أصلحه، والسؤال: هل ننتظر صيفاً وشتاء آخر لنأخذ العبر والدروس مجدداً، أم نتعظ من القصص التي تروى؟!.
محمد محمود