أخبارصحيفة البعث

كلمة السر .. “أفريقيا”

 

تشهد العلاقات الفرنسية الإيطالية توتراً كبيراً هذه الأيام وصل حد استدعاء باريس لسفير روما لديها للاحتجاج على تصريحات لنائب رئيس الوزراء الإيطالي لويجي دي مايو، اعتبرتها فرنسا غير مقبولة وغير مبررة، وطالب فيها الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على الدول التي تقف وراء مأساة المهاجرين في البحر المتوسط من خلال تهجيرهم من أفريقيا، وفي مقدمتها فرنسا.
وحمّلت السلطات الإيطالية العديد من الدول، وفي المقدمة فرنسا، مسؤولية تدفق آلاف اللاجئين إلى السواحل الإيطالية، حيث وصل  السنة الماضية إلى إيطاليا قرابة 23 ألف مهاجر غير شرعي، رغم الإجراءات التي اتخذتها روما لمنع دخول المهاجرين الذين تنقذهم سفن الإغاثة في البحر المتوسط.
ويُنظر إلى المهاجرين في إيطاليا على أنهم السبب الرئيس وراء إطالة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، التي تحتل المرتبة الثالثة في اقتصاديات منطقة اليورو، والسبب المباشر لخطر وقوع هجمات إرهابية.
ولا تقتصر أصول المهاجرين غير النظاميين إلى إيطاليا على جنسية واحدة، حيث يتدفق إليها هاربون من معظم الدول الأفريقية: السنغال والنيجر وغينيا وساحل العاج وغامبيا ونيجيريا، كما يهاجر إليها كثيرون من المغرب ومالي وإريتريا، فضلاً عن السودان والصومال ومصر وتونس وليبيا.
ولفت دي مايو الذي هو أيضاً وزير التنمية الاقتصادية إلى أن  هناك عشرات الدول الأفريقية التي تطبع فيها فرنسا عملة محلية، وتموّل بذلك الدين العام الفرنسي، وبالتالي يمكن اعتبار فرنسا إحدى الدول التي تمنع التطور، وتساهم في في أزمة اللجوء، لأنها تطبع عملات 14 دولة أفريقية.
ويعتبر كلام دي مايو تكراراً لما قاله الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران قبل أن يتقلّد منصب الرئاسة: “دون أفريقيا، فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين”، ليتأكّد بذلك الدور الكبير لدول أفريقيا في النهوض بفرنسا قديماً وحديثاً ومستقبلاً أيضاً.
كان الرئيس الفرنسي الأسبق، شارل ديغول، أسس شبكة لرسم الجزء الأهم في علاقات فرنسا مع أفريقيا، وحملت اسم “فرانس-أفريك”، للدفاع عن الفناء الخلفي الأفريقي. وبفضل هذه  الشبكة، تمكّنت فرنسا من الاحتفاظ لنفسها بالسيطرة على الوحدة النقدية الأساسية في وسط وغرب أفريقيا، والمعروفة باسم الفرنك الأفريقي، وقد كان الفرنك الأفريقي حيلة فرنسية ناجعة لتأمين التدفق المستمر للعائدات النقدية والاقتصادية من المستعمرات الفرنسية السابقة، خاصة أن الاتفاق كان يشترط على دول الفرنك توريد 100 % من ودائع النقد الأجنبي الخاصة بها للبنك المركزي الفرنسي، قبل أن يجري تخفيض هذه النسبة إلى 65 % في السبعينيات، ولاحقًا لـ 50 % عام 2005 تحت ذريعة توفير غطاء نقدي لإصدار الفرنك الفرنسي.
وتعتبر فرنسا الدولة الأوروبية الأولى من حيث قوة نفوذها وقدرتها على الحركة والفعل في الساحة الأفريقية، حتى إن أفريقيا تمثّل أحد ثلاثة عوامل داعمة لمكانة فرنسا الدولية بجانب مقعدها الدائم في مجلس الأمن وقدراتها النووية، لذلك فإن العلاقة بينهما هي علاقة مصيرية، بمعنى أنها تتعلق ببقاء واستمرار الدولة الفرنسية كقوة عظمى ذات مكانة عالمية.
ولكن، ليست فرنسا وحدها من عملت على إفقار أفريقيا، فإيطاليا لها دور كبير في ذلك أيضاً، وإن كان بدرجة أقل، فقد عملت هذه الدولة الأوروبية طيلة فترة احتلالها لعدد من الدول الأفريقية، على غرار ليبيا والصومال، إلى نهب الثروات وتحويلها إلى أراضيها بغية استغلالها لتنمية البلاد.
وتقع على عاتق إيطاليا، مسؤولية الوضع الذي آلت إليه العديد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، فليست الحروب الداخلية فقط السبب في إفقار شعوب إفريقيا، بل أيضاً عمليات النهب المبرمجة التي تمارسها الشركات العابرة للجنسيات من بينها شركة “إيني الإيطالية” بالتواطؤ مع الطبقات الحاكمة.
هيفاء علي