دراساتصحيفة البعث

الديمقراطية الإجرائية أدت إلى معضلة البريكست

 

ترجمة: عناية ناصر

عن غلوبال تايمز 24/1/2019

تتيح معضلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة جيدة للتدقيق في النظام السياسي الغربي، فبعض السياسيين الغربيين ينظرون إلى الاستفتاء على أنه أحد أهم الطرق لقياس الرأي العام، ومن وجهة نظرهم، ما دامت إجراءات التصويت صحيحة فإن النتيجة ستكون دقيقة.

إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو نتاج تصويت، لكنه قاد إلى مستنقع،
فهناك اختلافات خطيرة بين الحزبين السياسيين الرئيسيين (المحافظين والعمال)، وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون –آنذاك- قد قرّر حلّ المشكلة من خلال الاستفتاء.

وقد يكون الناس قد نسوا نسبة الأصوات التي أدلوا بها في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهذه هي الطبيعة الخادعة لسياسة الاقتراع التي وضعت بريطانيا في هذا المأزق المعقّد. لقد بلغ عدد أصوات الذين أيّدوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي 17،410،742 وبنسبة (51،9٪) أي أكثر بـ 1،269،501 صوت من الذين عارضوا الخروج والذين بلغ عدد أصواتهم 16،141،241 وبنسبة (48،1٪)، ومع ذلك، فإن نحو 28٪ أو 13 مليوناً من أصل 46 مليون ناخب مسجل لم يصوتوا. أليس من السذاجة أن يتمّ تحديد اتجاه مستقبل البلاد بمثل لعبة التصويت هذه، التي كانت أساس المشكلة الحقيقية من البداية؟!.

إن الاقتراع هو أساس النظام الديمقراطي الغربي، إذ يمكن عبر التصويت التوصل إلى قرار حول أي شأن سياسي رئيسي لا يمكن الاتفاق عليه، حيث يتمّ تحديد كل شيء بعدد الأصوات، حتى لو أدرك الزعيم أنه لن يحلّ المشكلة وأنه سيزرع المزيد من الارتباك، وحتى وإن أدى إلى طريق مسدود. ومع ذلك فإنه يجب أن يتبع المسار الذي حُدّد نتيجة التصويت. إن سياسة التصويت تمنح الشرعية للسياسيين، لكنها تحدّ من مساحة القرار الصحيح. وعلى هذا، فإن الحكومة مقيدة بنتيجة التصويت، رغم أنها من المحتمل أن تصبح غير مسؤولة وغير فعّالة. ثلاثة عشر مليون ناخب –وهم بالتأكيد ليسوا رقماً صغيراً- لم يدلوا بأصواتهم. وأياً كان السبب في ذلك، فإنهم على الأقل، شعروا أن الأمر لا يهمّهم إلى حدّ كبير، أو أنهم لا يعرفون أيّ الخيارين يفضلون، لكنهم كانوا جزءاً من عملية خروج بريطانيا مع أولئك الذين أيّدوا والذين عارضوا على حدّ سواء.

وهكذا تحدّد مصير هذه الإمبراطورية العريقة من قبل أقلية من سكانها. وحتى لو أدرك الزعماء البريطانيون البارعون والأذكياء أن الهدف من الاستفتاء سيكون فاشلاً، أو أنه لن يصبّ في مصلحة الأمة وأبنائها ككل، فإن عليهم أن يتبعوا هذا النهج، الذي قد لا يؤدي إلى أية نتيجة. وقد تمّ توجيه جميع أجهزة الدولة في هذا المنحى.

هل هذه ديمقراطية أم تحريف للديمقراطية؟! ربما تكون العملية ديمقراطية، لكن النتيجة ليست كذلك، لقد اختطفت البلاد بأكملها باسم الاستفتاء. وأولئك الذين صوّتوا لم يكونوا يظنون أن التجارة مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تتوقف، وأن قواعد تبادل العملات الأجنبية والتجارة قد تتغيّر، وأنه قد يتمّ تعليق شركات الطيران، وقد يتمّ إغلاق الموانئ، وربما يكون هناك نقص في الغذاء والدواء. لقد كانوا مهتمين بالإجراء فقط.

الآن، وعندما تصبح المملكة المتحدة على حافة الهاوية، فإنهم سيشعرون بالسخونة، وسيعرفون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى عرقلة الحياة الطبيعية. ربما لم يدر في خلد هؤلاء أبداً أن العملية التي يتمّ التفاخر بها ستأخذ البلاد إلى هذا الخلاف. لقد اختار بعضهم الخروج لمجرد أنهم لا يحبون، أو ربما يكرهون العولمة.

إن اتخاذ مثل هذا القرار الحاسم على أساس الاستفتاء مهزلة، لقد أدرك هؤلاء الآن، وفجأة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمر معقّد للغاية، وأن مواجهة العولمة لها تكلفتها. على أي حال، الديمقراطية ليست لعبة سهلة، لقد مارس البريطانيون حق الديمقراطية، ويجب عليهم مواجهة النتيجة، لقد وضع خروج بريطانيا الأحزاب السياسية البريطانية في مسار تصادمي. أما فيما يتعلق بما إذا كان الخروج صحيحاً أم خاطئاً، جيداً أم سيئاً بالنسبة للبلاد، سواء أكان الأمر مفيداً أم ضاراً بالناس، لم يعد ذلك بالأمر المهمّ، ما هو مهم الآن أن كلا الجانبين يجب أن يتقاتلا حتى الرصاصة الأخيرة!.