ثقافةصحيفة البعث

شهوة في انتظار

ذبحني.. ذبحني الانتظار أيها الفجر.. أنا العاشقة التي تسكن ذاك الغسق ومدت ذراعيها آلاف اللحظات لاحتضانك ذرة، ذرة، ركضت بكامل أناقتها الحزينة للقائك على شرفة صباحنا الموعود، فأطلت أنت رقادك وزدت لي عذابي.

قل لي بأي لهفة تريد استقبالك، وأي عطر أسرقه لك من الأجواء يستثير روحك ويستعجل قدومك؟ زادك البُعاد والتهمني الخوف البارد، فشمس سوريتنا غيبتها الدماء، ووشحت جسدها عتمة الظلمة والظلام والإثم الآثم.

الخديعة والافتراس عنوان المطالع، والقصيدة ذبحتها السكاكين وفجرت مطالعها أنياب الوحوش الكاسرة وسواطير الفظائع.

أنا العاشقة لموطنك ويكفي؟

لا تعوّل اليوم على فتاوى صبري، لا تعول اليوم على قمرنا الشاحب، ففيّ ألف وجع يغوص ويفيض بي، لكنه يمحى أمام عظمة هذه المواجع.

قل لي من خط لنا هذا القدر الذي عندما قرر ألا يكون خانعا، حكمته القيود وجرّحه العبيد، أعطوا فتاواه لطغاة لا يرحمون، وسفهاء لا يفقهون، يذوبون في المعتقدات، ويعزفون على صولجان المجازر بمحيطات قتل وفتك وذبح تبرر مجازر الآخر؟  أتختبرني؟! فالامتحان هذا بلا شهادة، والعبرة قصاص من عقاب العقاب، وميل في موازيننا التي لم تجد من عنها يُرافع؟

فنجان قهوتي ما ارتشفته بعد، وأنا انتظر هيل قدومك يلوّن قميص الأرض ويطهر شهوة الغناء بصباحك وصباحٍ عائد.

بي شغف بفجرنا يعيد للمفقودين ديارهم، وللغائبين أسماءهم التي بدفاتري تصارع الذكرى والألم الدامع، وللأمهات صلوات من وعود تركتها العاصفة حنينا يطفئ نيرانهن ورقاد المضاجع، وللمشردين ديار أجتزؤها من روحك وروحي عله يعود أدراجه الزمن الجميل ويعرف طريقه كل راجع، وما يخيفني كثيرا أن نصاب جميعا بحمى الاعتياد لكل ما يجري وان نسبح بأيامنا الغارقة بالتكرار بين رأي حالك وفكر قاتم، ففي البداية كان لدينا ضحية، فوجئنا ووهبنا، الآن صرنا أسراب ضحايا ولا واقفُ لسلسة الموت المشاهد ولا رادع.

أخاف اعتيادهم على رتم العتمة، وأخاف من كل هذا الضياع الضائع.

هل بمقدورك التحكم بإستراتيجية الأزمان؟ هل لك بصناعة عجلة أكثر سرعة لزمبرك الوقت يقدمنا للحظتك، لا يعيدنا آلاف العصور إلى همجية هتلر ونيرون، ولا إلى  سلفية الحجاج ولا إلى بيانات الكراسي وشرح مغلوط لقداس بيوت الله وركعةُ دموية يبررها حاكمُ عسكري أو رجل كنيسة وبطريرك جامع؟

أيها الفجر أشتاقك كما تشتاقك الكثيرات ويهواك الآخرون المنتظرون حلا يمد ضوءا من هيام يعيد إعمار ما تبقى منا، وما بقي لنا عندك من ميراث حلم ودفء يرتب للحصاد قمحه ويبني للفرح صوامع.

عد أيها الفجر، الغياب مصير لا تشفع  له أنثى الحب العاشقة، ولا تبرر قطيعتك الزهور ولا تثمر المرابع.. عد بلا ربطة عنق وبلا جلباب ولا عسكري.. عد عاشقا معطرا بالحب يسكرني بضيائه، ويسكر وطنا أنا وأنت فيه، أعانقه كما أعانقك بما امتلكت من جوارح.. عد غانما بمغتنم شهوتي انتظارا يتوق للأمل اسمك سلاما ومنتصرا بملكوتك القدسي حنانا ينثر عبقه فوق الغيم وفوق بيادر الكلام، شعرا ووزنا لا تضنيه عتمة الأنام بداية الأبجدية وحسن مطالع الختام.. موطني وبيتي حماك قلبي من كل شر بانتظاري لفجرك حارسة لك  فلا يغيبك قهر يوما ولا تضام.

رشا الصالح