الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

ألف ليلة وليلة..!

حسن حميد
لطالما شغل السؤال المعرفي الكبير الذي فحواه: هي مسارات الشعوب والمجتمعات واحدة وهي تبحث عن التطور والتقدم؟! وإن كانت الإجابة نعم، فهل كانت الوسائل والطرائق التي تنشد التطور والتقدم واحدة؟! ثم ما الذي يؤاخي بين الشعوب ويجعلها تنظر إلى المرايا الأخرى لترى الآخرين مثلما ترى نفسها؟!
هذا السؤال المحتشد بالوعي والمحبة جعلني أسأل نفسي وأنا أدرس كتاب العرب الثقيل معرفياً وجمالياً، أعني “ألف ليلة وليلة” هل لهذا الكتاب ما يشبهه في الثقافات الإنسانية الأخرى؟! قلتُ بلى، لأن كتباً أخرى تشابهه في المضمون الاجتماعي والشغف المعرفي عرفتها حضارات بلاد فارس والصين والهند والبلاد اللاتينية والاسكندينافية واليونانية والرومانية في آن، وهذا ما يؤكد لنا أن القيم التي تعمل عليها الشعوب من أجل التقدم والتطور هي قيم عقلانية تكاد تكون واحدة حين نتحدث عن الخير أو الشر أو عن الحق والباطل، والجميل والقبيح، والعدالة والظلم، هي واحدة لأن الفطرة الإنسانية التي لم تداخلها الشوائب هي واحدة، صحيح أن هذه الفطرة تلوّنت بعدما مرّت بها الأيام والسنون، ولكنها في أصلها الإنساني واحدة. ولعل ما يؤكد لي هذه الفكرة، أي أن للشعوب الأخرى كتبها التي تشبه كتابنا “ألف ليلة وليلة” هو أن كتباً كثيرة سبقت كتاب “ألف ليلة وليلة” فيما طرحه، وفيما أراد بيانه من مظلومية وقعت على المرأة التي كانت منذ الأزل شريكة الرجل في بناء المجتمع، والحضارة، وشريكته في الحفاظ على القيم النبيلة السامية؛ وأن كتباً كثيرة تشبهه ماشته من حيث الظهور والمعروفية، وأخرى تشبهه جاءت بعده.
تقول الدراسات التي تتبعت مسار التدوين العربي الثقافة والآداب أن ظهور “ألف ليلة وليلة” العربية يعود إلى القرن الثاني عشر، وقد كانت حكايات يسمر بها الناس في المقاهي ليلاً؛ وفي المدن الكبيرة ذات المناخ الحار مثل البصرة وبغداد، والقاهرة، ثم انتقلت إلى دمشق، وحلب، والقدس، ثم دوّنت في مدونات خاصة برواة هذه الحكايات، وأنها خضعت لمضايفات كثيرة تبعاً لمقدرة الحكواتي وشغفه بالمضايفات والزيادة على الحكايات التي وصلت إلى يده أو التي اختزنتها ذاكرته وذلك من أجل أن توسم هذه الحكايات بطابعه، وتصير خاصة به.
وبسبب موقف العارفين بالأدب واللغة من هذه الحكايات وعدّها أدباً شعبياً قليل القيمة من حيث الصياغة والأسلوب والاقتصاد اللغوي، ظلّت “ألف ليلة وليلة” حكايات مشفوهة، يتناقلها الرواة من مكان إلى آخر من أجل الطرافة والتندر والمجاز الذي شال بها إلى حدود الغرائبي والعجائبي والأسطوري في آن. ولم يسع أهل الثقافة العرب إلى تدوين هذه الحكايات لتكون كتاباً عاماً، وليس كتاباً خاصاً بالحكواتية، إلا بعد مرور أزمنة طويلة؛ لكن العقل العربي تنبه، وبعد فوات فرص كثيرة لمعرفة هذا الكتاب، إلى أهمية “ألف ليلة وليلة” حين رأى احتفاء الثقافات الغربية به وتقريظه والثناء عليه، وانتقاله السريع إلى لغاتها ليستفيد مما فيه كل أبناء المجتمع الغربي، لهذا عرفت “ألف ليلة وليلة” المطابع في أواخر القرن الثامن عشر حين صدرت مطبوعة في الهند، بعد أن عرفها الغرب واستبطن ما فيها من جواهر طوال مئة سنة، ثم طبعت في مطبعة بولاق المصرية سنة 1835 بعد أن كانت قد ترجمت إلى اللغة الفرنسية عام 1704.
قلت كل هذا لكي أؤكد أن لدى الشعوب الأخرى كتباً تشبه كتابنا “ألف ليلة وليلة”، ونحن حتى هذه الساعة لا نعرفها المعرفة الواجبة لنرى ما فيها من ثقافة مستلة من عادات وتقاليد وأعراف وتصورات تلك الشعوب، فهل من التفاتة إلى تراث تلك الشعوب لنعرفها، مثلما نظرت تلك الشعوب إلى كتابنا “ألف ليلة وليلة”.. لتعرفنا؟!
Hasanhamid55@yahoo.com