دراساتصحيفة البعث

العيب القاتل في منطقة اليورو

ترجمة: عناية ناصر
عن موقع بوليتيكو 30/1/2019

كانت منطقة اليورو متخبّطة بالأزمات منذ نشأتها، ولا يزال الشعور بآثار الاضطرابات الناجمة عن الأزمة المالية في عام 2008 ملموساً حتى اليوم. وقد أدّت تدابير التقشف غير الشعبية وبرامج الإصلاح، التي كانت ضرورية بسبب ضغوط أزمة الحكومات المثقلة بالديون، إلى استياء اجتماعي واسع النطاق، جعل الشعبوية والتوترات الاجتماعية تزداد في جميع أنحاء منطقة اليورو.
وقد استجابت الحكومات والمفوضية الأوروبية للمقترحات لتحسين بنية منطقة اليورو. هذه التدابير مهمّة وجديرة بالثناء، لكنها لا تستطيع العمل بمفردها، إذ يتطلّب ضمان الاستقرار في منطقة اليورو من الحكومات الوطنية خفض الديون العامة إلى مستويات ثابتة. وإلى أن يتمّ ذلك، وما لم يتمّ ذلك، فإن المشكلات التي تصيب منطقة العملة المشتركة ستستمر.
دفعت صدمة الأزمة الأخيرة بمجموعة من “الحلول” المتطرفة، من حلّ منطقة اليورو إلى إقامة اتحاد فيدرالي كامل، لكن ساد الإجماع على طريقة وسطية أكثر منطقية هي تعزيز الجوانب الرئيسية في منطقة العملة المشتركة. ومن أهمها تعزيز آلية الاستقرار الأوروبي (التي تقدم المساعدة المالية للبلدان التي أصابتها الأزمات)، وإتمام الاتحاد المصرفي (الذي ينصّ على قواعد الاتحاد الأوروبي على مستوى الاتحاد الأوروبي، والإشراف على البنوك وقراراتها في منطقة اليورو).
وعلى الرغم من أن هذه المشكلات لن تؤدي وحدها إلى حلّ مشكلات منطقة اليورو، إلا أنها قد تساعد في احتواء بعض المخاطر التي تواجهها. وتوفر التحسينات التي أدخلت على الاتحاد المصرفي الفرصة لذلك، على سبيل المثال، وضع قيود على مقدار ما يمكن أن تحصل عليه البنوك الحكومية من ديون.
في الوقت الحالي، تسمح القواعد للبنوك بأن تتحمّل الكثير من المخاطر عندما يتعلق الأمر بالدين العام. نتيجة لذلك ، عندما تضرب الأزمة حكومة أوروبية، تنتشر المشكلة بسرعة إلى البنوك المحلية. هذا الارتباط، بين الديون السيادية واستقرار القطاع المصرفي، هو من أحد أكبر التهديدات للاستقرار المالي في منطقة اليورو.
وهناك تدبير آخر ضروري هو إنشاء تأمين مشترك على الودائع، مما يضمن توفير المودعين للأفراد. ومن شأن مثل هذا المخطط أن يقلّل من الصلة بين الدين العام والمصارف المحلية. ومع ذلك، لا يمكن تطبيقه إلا إذا تمّ أولاً تقليل المخاطر الحالية على الأنظمة المصرفية، مثل القروض السيئة والتعرض المفرط للدين العام.
هذا يقودنا إلى الأسباب الكامنة وراء عدم الاستقرار في منطقة اليورو وهي: مستويات الديون الحكومية غير المستدامة.
لذلك فإن الدول التي عانت أكثر من غيرها في ظل الأزمة الأخيرة كان يجمعها شيء مشترك هو سنوات من الإنفاق المفرط وتراكم الديون، سواء كانت عامة أو خاصة. لا يمكن للتدابير على نطاق منطقة اليورو أن تحلّ محل الحكومات التي تتبع سياسات سليمة. على العكس، فإن تقديم المساعدة المالية للحكومات المعرضة لخطر الإفلاس لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة.
يجب أن يكون أي دعم من أوروبا مؤقتاً وألا يعرض دافعي الضرائب للمخاطر المفرطة، وإن الدعم المالي للبلدان ذات الديون العامة غير المستقرة من شأنه أن يقوّض الحوافز للحفاظ على سياسات سليمة، والتي ستكون ضد الأهداف العامة لمعاهدات الاتحاد الأوروبي.
ومن شأن ذلك أيضاً أن يخلق ظروفاً سيتعيّن على المفوضية والمجموعة الأوروبية التدخل فيها، وتبادل المساعدة المالية لبرامج التقشف المؤلمة حتماً. وكثيراً ما يشاهد ذلك من قبل البلدان المتلقية، وهذا ليس خطأ، في الخسارة الفعلية للسيادة الاقتصادية.
وأخيراً، فإن أي نهج يتجاهل الديون غير المستقرة سيؤدي حتماً إلى عمليات تحويل مالي وتوترات دائمة بين البلدان. ويجعل ذلك المساهمين يشعرون بأنهم لا يملكون سيطرة على ميزانيتهم ​​الخاصة وسياستهم الاقتصادية. ومن ثم فإن هذه المخططات ليست مرغوبة سياسياً أو اقتصادياً.
إن أهم شيء يمكن للحكومات الوطنية القيام به لتحسين منطقة اليورو هو ترتيب بيوتها المالية، إذ يمكن للبلدان تحسين قدرتها على تحمّل الصدمات المالية من خلال الادخار في الأوقات الجيدة، حتى تكون قادرة على تقديم تدابير مضادة للدورات الاقتصادية عند وقوع أزمة. ومن الأفضل توجيه الأموال المشتركة نحو تشجيع الإصلاحات، بدلاً من الحفاظ على برامج الإنقاذ التي لا تحظى بشعبية، لهذا السبب يجب إدخال إجراءات لإعادة هيكلة الديون بشكل منظم.