دراساتصحيفة البعث

ترامب يلعب بالنار

ترجمة: سلام بدور
عن الواشنطن بوست 1/2/2019
إن انتقاد الرئيس ترامب لرؤساء استخباراته في أعقاب شهادة تقييم التهديد العالمي السنوي هو المرة الثالثة التي تتعرض فيها العلاقة بين الرئيس ومجتمع الاستخبارات لضربة علنية كبيرة، فالمرة الأولى كانت خلال فترة الانتقال الرئاسي في عام ٢٠١٦ والأيام الأولى للإدارة في عام ٢٠١٧ عندما شكّك الرئيس علانية في تحليل المجتمع الاستخباري بشأن تدخل روسيا في الانتخابات، وشبّه حينها النساء والرجال في مجتمع الاستخبارات بالنازيين. أما المرة الثانية فكانت في قمة هلسنكي مع الرئيس بوتين عندما وقف ترامب صراحة مع الرئيس الروسي ضد الاستخبارات الأمريكية، والمرة الأخيرة كانت يوم الأربعاء الماضي حين وصف الرئيس كبار ضباط الاستخبارات الأمريكية في تغريده له بالسلبيين والساذجين دون تقديم أي دليل على ذلك!.
لقد اختلف الرؤساء لفترة طويلة مع بعض المعلومات والتحليلات التي يحصلون عليها من مجتمع الاستخبارات، وهناك الكثير من الأمثلة على محلّلي الاستخبارات الذين يخبرون الرؤساء بأنهم لا يستطيعون إنجاز شيء معيّن، فمثلاً خلال حرب منتصف التسعينيات في البلقان كان مجتمع الاستخبارات متشككاً إلى حدّ كبير بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام، ولكن الرئيس بيل كلينتون سلّم اتفاقيات “دايتون” للسلام رغم ذلك.
وليس من غير المألوف أن يلقي الرئيس باللوم في فشل السياسة على مجتمع الاستخبارات، فعلى سبيل المثال فعل الرئيس باراك أوباما ذلك عندما انتقد علناً وكالات الاستخبارات لفقدان صعود “داعش”، لذلك كان على المحلّلين الشباب المنزعجين من هذا النوع من الانتقادات إدراك أنه لا شيء يحلّ محل السياسة الرئاسية في هذه المدينة، وفي حال أرادوا العمل في واشنطن عليهم الاعتياد على ذلك.
ولكن ما هو مختلف هو أن عدد الخلافات بين ترامب ووكالات الاستخبارات أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي، علاوة على ذلك لا يبدو أن ترامب يتعامل مع مجتمع الاستخبارات بشكل موضوعي، فهناك شكوك بطريقته الخاصة ووجهة نظره المختلفة حول وضع “داعش”، أو لماذا يعتقد بأن المعلومات المتعلقة ببرنامج الأسلحة لكوريا الديمقراطية ليست دقيقة، أو لماذا يرى بأن الإيرانيين لا يفون بالتزاماتهم بموجب الاتفاقية النووية. إضافة لذلك كله لم يهاجم أي رئيس آخر رجال ونساء مجتمع الاستخبارات بالطريقة التي يفعلها ترامب والتي يترتب عليها آثار عدة، منها أولاً: تقويض الروح المعنوية للعمل الاستخباراتي إلى الحدّ الذي يمكن فيه أن يغادر شخص ما وكالة استخبارات معيّنة قبل الموعد المقرّر، الشيء الذي قد يعيق مجتمع الاستخبارات وذلك لأن تطوير ضباط يعملون بشكل كامل يستغرق من ٧ إلى ١٠ سنوات. ثانياً: أنه يقوّض أحد الأسباب التي تجعل الأجانب ينقلبون على حكوماتهم ويتجسّسون لمصلحة الولايات المتحدة، فإذا ازداد الاعتقاد بأن الرئيس لا يستمع ولا يفعل المعلومات التي يتلقاها من مجتمع الاستخبارات فإن الحافز على التجسّس يتراجع وتتراجع معه المعلومات المهمّة التي يتلقاها مجتمع الاستخبارات. ثالثاً: هناك خطر من أن خطاب ترامب حول مجتمع الاستخبارات سوف يؤثر على الطريقة التي يتحدث بها قادته والأشخاص الذين يعملون معهم علناً، وربما عن القضايا الخاصة كالرئيس رونالد ريغان الذي قال ذات مرة بأن ضباط الاستخبارات الأمريكية هم آذان وأعين العالم الحر. لذلك يجب دعم الاستخبارات من قبل قادة أمتنا في عملهم المهم للغاية، وجزء رئيسي من هذا الدعم يكون بتشجيع ضباط المخابرات علناً وسراً على تقديم أخبار سيئة لهم عند الضرورة، فالأمن القومي للولايات المتحدة يعتمد على ذلك.