تحقيقاتصحيفة البعث

عالق منذ سنوات؟ مشروع قانون حماية التراث الأثري.. “المالية” تجاوزت التحفظات والعقوبة والاستملاك آخر الخيارات

جعل الغنى التراثي والأثري لسورية هوية وطنية ثقافية، وشهرة ومكانة على مستوى العالم، ولكن في مكان آخر يبقى هذا الملف حساساً جداً على المستوى المحلي لجهة ما يشكّله من بعض الإشكاليات عند المواطنين ممن يجدون “لقى” في أي مكان، سواء في مدينتهم، أو بالبساتين جراء التهمة التي قد توجه إليهم في حال وجدت بحوزتهم، أو الخوف من مصادرة أملاكهم وغيرها، فضلاً عن ضعف الجانب التحفيزي المادي الذي إذا زاد عن 1000 ليرة فإنه يحتاج إلى موافقة مجلس الآثار.

وفي الوقت الذي يجب إيجاد صيغة تحفيزية لإشراك المجتمع المحلي في حماية هذا الإرث، يبدو أنه يوجد ضعف في الإمكانات المادية، حتى في أعمال الترميم، والتنقيب، والمسح، والمشاريع الأخرى، وحتى عدد الكوادر قليل، لاسيما أن العدد الحالي لجميع العاملين في قطاع الآثار في كل المحافظات  يبلغ  1900 عامل وعاملة بعدما كان 1800، في حين بلغت الموازنة الاستثمارية للعام الجاري 650 مليون ليرة، وبلغت الموازنة الجارية ملياراً و530 مليوناً و40 ألفاً، بينما بلغت الموازنة الاستثمارية العام الماضي  300 مليون ليرة، وبلغت الموازنة الجارية ملياراً و550 مليوناً و435 ألفاً.

عقبات وثغرات

لم يخف مدير الشؤون القانونية في المديرية العامة للآثار والمتاحف ورئيس الفريق الوطني لإنجاز مشروع القانون الجديد أيمن سليمان أن المرسوم رقم 222 لعام 1963 الذي يحمي الآثار يعاني جملة من العقبات والمشاكل والثغرات التشريعية، لعل أهمها فقر هذا القانون بالمصطلحات التخصصية، وغياب الجانب التشجيعي والتحفيزي المهم جداً في حماية التراث، إضافة إلى عدم وجود النصوص التشريعية التي تؤمن آلية تنسيقية مع الجهات الأخرى القائمة على حماية التراث، وترويجها، وليست هناك حماية واضحة ومعززة لمواقع التراث السوري المسجلة على قائمة التراث العالمي، كما أن القانون في مجمله لا يتلاءم والاتفاقيات الدولية لجهة حماية الممتلكات الثقافية وترويجها، حيث ينظر على أنه عبء مستهلك للأموال والطاقات، وليس مصدراً من المصادر الوطنية، وليس كقطاع رئيسي مورد لفرص العمل، وللدخل الوطني، وهنا يجب إعادة ترتيب الأولويات، والنظر للتراث على أنه مصدر للدخل، وللاستثمار، ومورد للأجيال القادمة.

وأوضح سليمان أنه ضمن مشروع دعم وتطوير المتاحف ومواقع التراث العالمي في البلاد، تم وضع الخطوط الأولية للاستراتيجية الوطنية التي تضمنت عدة محاور، وعدة خطط للعمل في مجالات كثيرة لحماية وإدارة وتأهيل وترويج الإرث الثقافي، وصولاً إلى الهدف المنشود بتحويل قطاع الآثار والمواقع التراثية إلى قاعدة تنموية واقتصادية، ورافعة رئيسية في دفع عجلة التنمية بمختلف المجالات، ليتصدر موضوع دراسة وتحليل وتطوير التشريع الحالي الذي يحكم المسائل المرتبطة بالتراث الثقافي أولويات هذه الاستراتيجية، لاسيما أن حماية الممتلكات الثقافية تتطلب السير في اتجاهين: الأول مادي يشمل الترميم، والصيانة المتواصلة، والحماية، والحفظ والتوثيق، والمسح، والتنقيب، والحرص على توفير الكفاءات البشرية والفنية، ودعمها بالموارد المالية لتمكينها من أداء دورها، أما الثاني فهو اتجاه قانوني مؤسساتي تشريعي يتطلب إعادة صياغة وبناء قدرات المؤسسات القائمة على حماية التراث الثقافي، وخلق إطار تشريعي جديد يؤمن الحماية القانونية لمجمل مكونات التراث الثقافي، ويواكب تطور التشريع الدولي، ويكفل المواءمة بين الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سورية، وكذلك يؤمن الأساس القانوني لتحقيق رؤية جديدة للتراث الثقافي، مع إعادة بناء قدرات المؤسسات القائمة للنهوض بهذه المهام.

وعلى الرغم من تصنيف سورية كأغنى دول العالم في التراث الثقافي، إلا أن هذا التراث- كما يبيّن سليمان- مازال شبه مجهول، وغير مستثمر، وفي الوقت ذاته تصنف الحماية القانونية للتراث بأنها غير مكتملة، ومن هنا برزت الحاجة لإيجاد قانون جديد، وليس لتعديل الماضي، حيث تم العمل على إنجاز القانون الجديد أربع سنوات استمرت من عام 2008 ونهاية 2011، وارتكزت استراتيجية العمل على رؤية أوجدت قواعد قانونية متكاملة لحماية وإدارة وترويج التراث، مع الأخذ بالاعتبار خصوصية المكونات الإرثية، وتتوافق والاتفاقيات، والتوصيات الدولية المعمولة في هذا المجال، والعمل على ربط هذه القواعد القانونية بإجراءات وقرارات تنفيذية تساهم بشكل فعال بإيجاد البيئة الملائمة لضمان ثقافة وفاعلية تطبيق القانون لكي تؤمن القواعد القانونية التي تحمي التراث السوري.

ردم الهوة

وأشار مدير الشؤون القانونية إلى أن الاستراتيجية التي بني عليها مشروع القانون ارتكزت على جوانب موضوعية، وأخرى شكلية، فالموضوعية تهدف إلى إضفاء التماسك والفاعلية للإجراءات المستهدفة لحماية التراث الثقافي والترويج له، سواء على الصعيد المحلي، أو الحكومي، وتحقيق غاياتها، وتم خلق الشق التحفيزي في القانون، فلا يمكن حماية التراث فقط بأوامر المنع أو الاستملاك والعقوبات، بل يتمثّل التحفيز بمنح القروض والإعفاءات والإعانات، وبالتالي ردم الهوة القائمة بين المواطن والسلطة الأثرية لجهة موضوع أن تتضمن السياسة التحفيزية ما يشجع المواطن على الإبلاغ عن الآثار وتسليم الآثار، ولا شك توجد ممارسات سابقة خاطئة ساهمت بقيام البعض بالتكتم عن الآثار، أو تهريبها، أو إتلافها، وهنا يجب أن تكون العقوبة آخر ما نفكر به، ويجب العمل على بناء الوعي، والتربية التراثية الحقيقية، ومد الجسور باتجاه المجتمع، وخلق ثقافة، وبيئة، ولغة مشتركة كي نتمكن من حماية التراث الذي تفتخر به سورية.

 

الاقتناء الشرعي

ولفت سليمان إلى أنه في حال اكتشف المواطن قطعاً أثرية عليه أن يبلغ السلطات الأثرية خلال 24 ساعة، أما الاحتفاظ بالآثار من قبل المواطن فيجب أن يكون اقتناء شرعياً، ويجب المبادرة إلى إعلام السلطات الأثرية وعرضها وتسجيلها في سجل المقتنيات الخاصة، بشرط ألا تكون من أمهات القطع، أو في حال رأت السلطات الأثرية ضرورة شراء القطعة بالتراضي بين الطرفين، ويحدد السعر من قبل اللجان التي تخمّن ثمن القطعة، علماً أن واقع الاستملاك يكون وفق المرسوم 20 لعام 1983، والتقدير يتم على أساسه، وهنا يجب إعادة النظر بقانون الاستملاك النافذ حالياً لجهة موضوع السعر الرائج، كما أن البعثات الأجنبية لا تعطى الترخيص بالتنقيب عن الآثار إلا بعد التأكد من كفاءتها المادية والعلمية، وتخضع لعدة موافقات، وكذلك تخضع للقانون السوري، وجميع المكتشفات هي ملك لسورية، كما يرافق البعثات ممثّل عن السلطات الأثرية للاستفادة من الخبرات، أما بالنسبة للمحلات التي تبيع القطع التقليدية فيسمح لها ضمن الترخيص والضوابط، وألا تكون مماثلة للقطع الأصلية، ولا يسمح ببيع القطع التراثية في المحلات، كما أن الحرفي الذي يريد تصدير المشغولات التقليدية والتراثية يمنح الترخيص من قبل الحرف التقليدية والإدارة المحلية، وعند التصدير تطلب الجمارك خبيراً من قبل الآثار للكشف عن هذه القطع، ويعطي تقريراً بها.

مشروع متوقف

وبيّن مدير شؤون المتاحف ومعاون المدير العام للآثار والمتاحف محمد نظير عوض أن الملكية يصونها الدستور، والتنقيب في ملكية الآخرين يتم بالتعويض عليهم من خلال اللجان، حيث تقدر الموسم الزراعي الذي حرم منه الفلاح، أما في حال كانت الأرض غير مستثمرة، فيكون التعويض أقل، وكانت بعض المبالغ التي تم التعويض بها لبعض الفلاحين بسيطة مثل 50 ألفاً، و 100 ألف، و150 ألفاً، علماً أن الآثار هي ملك للدولة، والأرض ملك للمواطن، أما في حال تم اكتشاف آثار لا يمكن نقلها، فمن الممكن استملاك الأرض، وهذا أحد الحلول وليس الأول، حيث تمنح التراخيص في دمشق القديمة، وحلب القديمة بحضور ممثّلين عن الآثار، وضمن الشروط والضوابط التي يتم وضعها في المديرية للحفاظ على المدن القديمة.

ولفت عوض إلى أنه من حق الدولة أن تستملك، ولكن ليس استملاك كل موقع أثري، فيبقى في مكانه، ويتم وضع ضوابط لاستخدام الأرض، ومنع بعض الأنشطة، وقد نلجأ إلى الاستملاك كحل لحماية الآثار مثل معبد أو قرية في تدمر، تم نقل الأهالي إلى سكن بديل لحماية المعبد، وكذلك رأس الشمرا، علماً أنه يوجد تعديل للقانون الحالي، وهو متوقف في وزارة المالية، فمن الناحية الفنية يعتبر هاماً جداً، وخاصة أنه يشرع لبعض الحوافز، ويجعل من المواطن خط الدفاع الأول عن الآثار، كما يوجد تعديل للكثير من المواد التي تتعلق بالمتاحف وإدارة التراث الأثري، حيث يواكب القانون الجديد القوانين العربية والعالمية، بل يعتبر في حال صدر بمرسوم من أفضل القوانين على الإطلاق.

وأشار عوض إلى أن الأنظمة المالية الداخلية لا تسمح بكثير من الحركة، بينما مشروع القانون الجديد يتبنى سياسة تحفيز قوية جداً، ومهمة  تطال العاملين في حقل الآثار، وأيضاً من يقدم خدمة الدلالة عن الآثار، لاسيما أن مفهوم التحفيز مهم في هذا الإطار، وهناك تعويض ومكافآت للمواطنين الذين يقدمون خدمة كالدلالة عن الآثار، أو تقديم آثار، وذلك من خلال اللجان، وتسعى المؤسسة العامة للآثار والمتاحف، بالتعاون مع وزارة الثقافة، إلى أن يكون التعويض مجزياً ومحفزاً، وبالتالي يساعد كثيراً في الكشف عن الآثار وحمايتها، في وقت توجد اتفاقيات تتطلب تطوير وتغيير القوانين الوطنية حتى تستطيع مواكبة هذه الاتفاقيات، علماً أن ملكية بعض الآثار تبقى لأصحابها في حال أثبتوا ملكيتهم لها، أما المشغولات التقليدية التراثية التي يتم تصديرها للخارج فتتم مراقبتها من قبل خبراء المديرية حتى لا يتم تهريب الآثار معها إلى خارج البلاد.

وأكد عوض أنه يتم السعي لاستعادة الآثار السورية المعروضة في المتاحف العالمية من خلال الاتفاقيات الدولية والمعاهدات الناظمة، حيث تمت استعادة 69 قطعة أثرية، في وقت تتم المعاملة بالمثل، وتمت مصادرة قطع أثرية في سورية تعود ملكيتها إلى بلد آخر، وتمت إعادتها أثناء الحرب العراقية إلى العراق، حيث يتم منح ترخيص التنقيب للجمعيات المعروفة عالمياً، والمتخصصة علمياً، وذات موثوقية علمية واقتصادية، ويبرم الاتفاق مع هذه الجهة، “علمية أو جامعة”، مع تحديد حقوق وواجبات كل طرف، وهناك حصة من ضمن الاتفاقية لتدريب الكوادر الوطنية، وبالتالي كل الاتفاقيات مع هذه الجهات تراعي فائدة حقيقية على الوطن.

تجاوز التحفظات

ومع أن وزارة المالية شكّلت لجاناً لدراسة الجانب التحفيزي “المالي” في مشروع القانون، إلا أنه عند الرجوع إلى الوزارة لمعرفة تأخر الموافقة على مشروع القانون الجديد، تم توجيهنا إلى الهيئة العامة للضرائب والرسوم، حيث أوضح أحد المصادر بأنه تمت دراسة الموضوع، وتجاوز التحفظات السابقة بموجب الكتاب رقم 5330/3/30 تاريخ 14/7/2014، على أن يتم تدارك ملاحظاتنا في المادة 98 التي أصبحت بمشروع القانون، المادة 110 من المشروع المذكور، بحيث تعود حصة المخبرين في حال عدم وجودهم إلى خزينة الدولة، كما أكدوا على إلغاء الإعفاءات الواردة في المواد 106/107/108 من مشروع قانون حماية التراث الأثري، على اعتبار أنها لا تشكّل عبئاً كبيراً على المهنيين الذين يزاولون الحرف التقليدية.

فداء شاهين