أخبارصحيفة البعث

هل يخرج ترامب من المأزق الفنزويلي؟

تحاول الإدارة الأمريكية من خلال العقوبات الاقتصادية تارة، والتهديد بالتدخل العسكري تارة أخرى، أن تفرض على الشعب الفنزويلي سقوطاً افتراضياً لزعيمه الشرعي نيكولاس مادورو، ولكنها تعلم جيداً أن أي تحرّك من هذا النوع سيضعها أمام سيناريو فيتنام جديد، وهذا بالذات ما يجعلها تتحاشى ذلك عبر إجبار أكبر عدد من الدول التابعة على الاعتراف بورقتها الانقلابية من جهة، وشنّ حرب إعلامية قذرة على الشعب الفنزويلي لتركيعه من جهة ثانية، وهو ما أشار إليه صراحة الرئيس مادورو، وقد استطاع الشعب امتصاص الصدمة الأولى بإعلان تأييده المطلق لرئيسه، الذي رحّب بكل المبادرات الرامية إلى إطلاق حوار داخلي دون أي تدخل خارجي.
إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدرك مسبّقاً أن خوان غوايدو، الذي عملت على تدريبه منذ عام 2005 ضمن مجموعة من الطلاب اليمينيين الفنزويليين، لا يستطيع أن يؤمّن لها قبولاً في المجتمع الفنزويلي النازع إلى الحرية بطبيعته والرافض للهيمنة الامبريالية، رغم أنها حوّلته إلى ناشط سياسي يتخذ نهجاً معارضاً لسياسة بلاده، التي تأخذ منحى اشتراكياً في مواجهة رأسمالية أمريكية بغيضة تعمل على السيطرة على ثروات الشعوب ونهبها تحت عناوين ومسميات تدّعي أنها ديمقراطية، ثم جاءت به فيما بعد على رأس مجموعة من الانقلابيين، الذين طُلب منهم السيطرة على البلاد بمجرّد إعلان الانقلاب، من خلال حشد تأييد دولي لهذا الانقلاب، الذي ترفض كل الحكومات المؤيّدة له أن يتم تطبيقه ضدّها، مع أن المشكلات التي تواجه هذه الحكومات أعمق بكثير من المشكلات الموجودة في المجتمع الفنزويلي، ومثال ذلك المشكلات التي تواجه حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث تستمر المعارضة الفرنسية منذ نحو ثلاثة أشهر في التظاهر مطالبة بتنحي ماكرون، الذي يعتبر جماعة السترات الصفر مجموعة من الخارجين على القانون، ويستخدم ضدّها أبشع أنواع القمع، فهل يمنحهم الاعتراف الذي منحه لمن تسمّي نفسها معارضة فنزويلية لا تجد لها أرضية تدعمها في الشارع؟.
وبعد نحو ثلاثة أسابيع من الانقلاب الفاشل، الذي حاولت إدارة ترامب فرضه على الشعب الفنزويلي، لا تزال الحكومة الفنزويلية متماسكة في التعاطي مع هذا الملف، مستندة في ذلك إلى تأييد شعبي منقطع النظير وصمود للجيش في وجه التهديد، وإلى رفض لاتيني واضح لأي تدخل عسكري في الشأن الفنزويلي، تدعمه من الخارج دول كبرى، كروسيا والصين وإيران، الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية تحاول فرض الانقلاب عبر مجلس الأمن، ولكنه لقي معارضة روسية صينية واضحة، وتم الرد على المشروع الأمريكي بمشروع قرار روسي يدعو إلى احترام سيادة فنزويلا، ويقطع الطريق على التدخل العسكري فيها، تساوقاً مع القانون الدولي، وبالتالي وجد ترامب نفسه في مأزق بعد أن عجز عن استخدام الورقة الفنزويلية في تصدير مشكلاته الداخلية، لأنه عجز سابقاً عن أن يمرّر نصراً خاصاً به عبر كوريا الديمقراطية وإيران وسورية، فاعتقد أن فنزويلا ستكون حصان طروادة الذي يؤمّن له طوق النجاة، ولكنه استفاق على كابوس من نوع آخر يؤكّد له أن الغرق في المستنقع الفنزويلي سيكون أسوأ بكثير من فيتنام، ويثبت له مرة أخرى فشل عقلية “الكاوبوي” في إجبار الزعماء الشرعيين على الخضوع للهيمنة الأمريكية، فالإدارة الأمريكية، رغم العدد الكبير من الدول التابعة التي حشدتها للضغط على الرئيس الشرعي في فنزويلا، لم تتمكن من ثنيه عن المقاومة والصمود في وجه الهجمة الشرسة التي تتعرّض لها بلاده.
لا يزال ترامب يتخبّط في خياراته حول العالم، معتمداً أسلوب التجريب في خوض معاركه، فإذا لم ينجح في إخضاع إيران توجّه إلى سورية، وإذا فشل هناك توجّه إلى فنزويلا، ولا ندري إلى أين ستأخذه مروحة الخيارات، ولكن الواضح في كل هذا الأمر أن روسيا والصين لا تستعجلان الحصول على مكتسبات التهوّر الأمريكي، بل تراقبان ذلك عن كثب، وتقولان له: نبّهنا سابقاً إلى ضرورة عدم القفز فوق القانون، وعليك أن تتحمّل منفرداً نتيجة تصرفاتك، فهل يدرك ترامب حجم المأزق الذي وضع نفسه فيه عندما تورّط بالتدخل في الشأن الفنزويلي، وهل يستطيع إعلان فشل مشروعه هناك؟.
الخيارات بدأت تضيق أمام ترامب، فإما التراجع علناً عن مغامرته، وهذا سيمنح معارضيه الديمقراطيين، الذين يشترطون موافقة الكونغرس، فرصة أكبر لمهاجمته، وإما الاستمرار في ذلك، وبالتالي عليه أن يتحمّل فيتنام جديدة، ولن تكون فنزويلا وحدها أرض الصراع فيها، بل ستكون أمريكا اللاتينية كلها في دائرة المواجهة.
طلال الزعبي