دراساتصحيفة البعث

أمريكا أنهكت من فوضى الشرق الأوسط



ترجمة وإعداد: لمى عجاج

لقد ضاقت أمريكا ذرعاً من الفوضى الحاصلة في الشرق الأوسط، فهل ستتمكن من الخروج من هذه الورطة وتبعاتها أم إنها ستظل عالقة في هذه الفوضى لعقدٍ آخر، وتكرر نفس الخطأ الذي وقعت فيه سابقاً كنتيجة لسوء تقديراتها؟. فبعد أسابيع من إعلان ترامب عن سحب قواته من الأراضي السورية في غضون أشهر، جاء الإعلان عن جولةٍ سيقوم بها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في منطقة الشرق الأوسط تستغرق ثمانية أيام يستهلها بالأردن مروراً بالخليج وانتهاءً بعمان، وهي جولة روّجت لها وسائل الإعلام الأمريكية على أنها “رحلة استجمام” نظراً للظروف التي تمر فيها الحكومة الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي، وكان الهدف الأساسي من جولة بومبيو في المنطقة العربية التأكيد على أن واشنطن ستظل اللاعب الأساسي ونقطة الارتكاز الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وكسابقيه من وزراء الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية تحدث بومبيو في جولته عن المثالية الأمريكية التي ليس لها مثيل بخطابٍ منمقٍ مليء بالحب، وأنها “قوة الخير” الوحيدة القادرة والمستعدة لتقديم الدعم لشركائها في وقت الشدة، وغيرها من العبارات الورديّة التي تمجد الدور الأمريكي وما يقوم به من أجل مصلحة المنطقة دون التطرق إلى الصعوبات التي واجهتها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأسط وفيما إذا كانت قد استفادت من الدرس وتعلمت من تجاربها أم لا؟.

الواضح من خطاب بومبيو أن واشنطن قد فشلت في تعلم الدرس، والأخطر من ذلك أنها تعاود الوقوع في نفس الخطأ مرة أخرى، فقد أوضح جهاز الخارجية الأمريكي أن جولة بومبيو في المنطقة لم تحقق نتائجها ولم تستطع تحديد أسباب العنف والقتال المستمر الذي أدى إلى هذه الفوضى في المنطقة، بحسب بومبيو فإن السبب الرئيسي في هذه الفوضى يرجع إلى سوء الإدارة الأمريكية.

ومما لا شك فيه فإن بومبيو وحكومته يرون أن إيران كان لها دور في العنف الحاصل في المنطقة، فإدارة ترامب تكاد لا تكل ولا تمل من تكرار مزاعمها الزائفة بأن إيران هي الدولة الأكبر في العالم المسؤولة عن الفوضى، معتبرةً إياها المسؤولة عن أكثر الصراعات تعقيداً في منطقة الشرق الأوسط وبأنها تقدم الدّعم لخصومها لتنهك خصمها الأمريكي، وهذا ما يضايق الإدارة الأمريكية ويؤرقها، وهو الأمر الذي دفع وزير الخارجية الأمريكي للدعوة لعقد اجتماع مع نظرائه في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا في وارسو ببولندا في قمة دولية تهدف إلى مناقشة إيجاد المزيد من السبل للضغط على طهران.

إن المزاعم الأمريكية تظهر الأمور على خلاف ما تبدو عليه في الواقع، لأن هناك ممالك ومشيخات تتحمل مسؤولية هذه الفوضى وعدم الاستقرار الحاصل في الدول المجاورة لها بطريقةٍ ما، وأولها المملكة السعودية فالسياسة الخارجية التقليدية التي تعتمدها السعودية ترتكز على “دبلوماسية الدفع” التي تمكّن القادة السعوديين من العمل وراء الكواليس بما يخدم مصالحهم، فالمملكة تلعب دور الممول وتجزل العطاء على أدواتها في المنطقة لينفذوا مخططاتها، ولكن الحال لم يعد كما كان عليه في السابق بعد أن استلم محمد بن سلمان الابن المدلل منصب وزير الدفاع في عام 2015 وربما يصبح الملك بعد فترة قريبة، لقد أحدث محمد بن سلمان تغييراً كبيراً في السّياسة الخارجية السّعودية ليحولها إلى سلسلة من الإخفاقات والأخطاء، فبعد أن كانت السّعودية تتصنع المثالية أصبحت اليوم عاجزة عن تحديد أهدافها وكثرت أخطاءها كما حصل عندما احتجزت رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السّعودية وأجبرته على تقديم استقالته “التي ألغيت فيما بعد” وعندما قاطعت قطر اقتصادياً، وأخيراً حملتها العسكرية على اليمن والقصف العشوائي الذي دام أربعين شهراً والذي سمح بانتشار العنف والإرهاب الذي وصفته الأمم المتحدة بأنه
“أبشع كارثة إنسانية في العالم”. لا شك أن السعودية سيصبح لها تأثير قوي على زعزعة الاستقرار في عهد محمد بن سلمان.

لقد ناقش بومبيو جزءاً من هذه المواضيع خلال جولته في منطقة الشرق الأوسط، لكنه فشل في إيصال فكرته إلى نظرائه في العواصم العربية المختلفة وكأن القضايا الدولية والأمنية التي تجري من حوله شيء جديد عليه، ولكن الحقيقة الواضحة أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك الوقت ولا القدرة الكافية لحل أيٍ من هذه القضايا. وبصراحةٍ أكبر فإن الولايات المتحدة ليس لديها الكفاءة اللازمة لتتمكن من معرفة كلمة السر للخروج من هذا النفق المظلم الذي ورطت نفسها فيه، والسياسيون العرب وحدهم القادرون على إيجاد الحل لمشكلاتهم، ويرى قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري أن السبب الرئيسي للقضايا المعقدة في المنطقة مرتبط بشكلٍ كبير بجهاز الإدارة الأمريكية من الداخل وبسياستها الخارجية وبيروقراطيتها، وعلى ما يبدو أنه يجب عليهم إعادة النظر والتمعن بشكل أفضل ليتمكنوا من إيجاد الصيغة الأساسية التي ستجعل من الشرق الأوسط المدينة الفاضلة التي يسودها الأمن والاستقرار والديمقراطية. فالسنوات الأخيرة من الدبلوماسية المعقدة كلّفت الإدارة الأمريكية مئات الآلاف من القوات الأمريكية، كما بلغت قيمة الضرائب ملايين الدولارات في الحملات العسكرية الفاشلة في هذه اللعبة غير الواضحة والتي يمكن اعتبارها شاهداً حياً على فشل فرضياتهم ونتائجها العكسية على المنطقة. وهذا هو أيضاً رأي غالبية الشعب الأمريكي، وذلك حسب دراسات استطلاعية حديثة أجراها معهد “تشارلز كوش” والتي تظهر أن الأمريكيين لا يرون أي جدوى من وجود القوات الأمريكية في مناطق النزاعات، والذريعة أنهم يقومون بحمايتها وهم مستاؤون بشدة من فكرة أن تأخذ أمريكا على عاتقها مسؤولية حماية الشرق الأوسط وأن تلعب دور الملاك الحارس، فالجندي الأمريكي ليس مضطراً أن يقطع كل هذه المسافة من بولينغ غرين بولاية كنتاكي في وسط جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال ليأتي إلى قاعدة عسكرية صغيرة على طول الحدود السورية الأردنية بحجة القيام بحمايتها، وهذا ما أجّج غضب الأمريكيين وأثار سخطهم فليس هناك مبرر واضح لبقائهم.

في الحقيقة لم يجد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الفرصة المناسبة لينقل الرسالة المطلوبة إلى الحكام العرب فلقد كان منشغلاً بالمصافحات وإلقاء الخطابات وأخذ الصور ونسي تماماً الرسالة التي أرادت منه الإدارة الأمريكية أن ينقلها خلال جولته، وفحوى هذه الرسالة هو التأكيد على أنها ستظل اللاعب الأساسي في منطقة الشرق الأوسط، وبأنها ستدافع عن مصالحها الأمنية والقومية وتقوم بحمايتها وستحافظ على أسواق النفط واستقرارها بما يضمن مصلحة المستهلك الأمريكي، وفي حال اتفقت مصالح الدول الأخرى مع الأهداف الأمريكية فإن واشنطن سوف تكون جاهزة للتفاوض، ولكن إن حصل العكس فإنها سترفع الغطاء وستسحب الدّعم المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية، إن هذا الرأي يتوافق تماماً مع لهجة الخطابات التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأفكاره الشخصية فبعد طول انتظار وجد ترامب وزيراً لخارجيته يلتقي معه في نفس الأفكار والأهداف.