دراساتصحيفة البعث

عزل إيران محكوم بالفشل

عناية ناصر

مع انتهاء الاحتفالات بالذكرى الأربعين للثورة الإيرانية في طهران، انشغل الوزير مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون بجمع تحالف مناهض لإيران في وارسو لمحاصرة إيران، ولكن لا يوجد شيء جديد في خطة بومبيو– بولتون، فواشنطن سارت في هذا الطريق عدة مرات من قبل، ولم تحصد إلا الفشل، حتى عندما كان جزء كبير من العالم إلى جانب الولايات المتحدة، والسؤال ليس ما إذا كان بولتون وبومبيو سينجحان أم لا، ولكن ما سيدفعان دونالد ترامب للقيام به بمجرد فشلهما،
كانت أمريكا تتربع على قمة العالم في عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وأصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم، كما كانت لديها قدرة لا مثيل لها على تشكيل التحالفات العالمية والإقليمية بعد حرب الخليج، حاولت تأسيس بنية أمنية جديدة للشرق الأوسط إثر مؤتمر مدريد عام 1991 تضم الدول الإقليمية الفاعلة باستثناء إيران.

على الرغم من أن مدريد لم تكن تهدف إلى إنشاء تحالف معاد لإيران، إلا أنها حاولت احتواء إيران من خلال تصوير “إسرائيل” وكأنها عنصر في صنع السلام، فقد دعت واشنطن إلى معاقبة إيران وإضعافها من أجل إعطاء “إسرائيل” مساحة للتحرك والهيمنة على المنطقة، وبالفعل فقد  لعبت “إسرائيل” دوراً أساسياً في إقناع إدارة كلينتون بتبني سياسة الاحتواء المزدوج في عام 1993، باحتواء إيران والعراق، ووفقاً لكينيث بولاك الذي عمل محللاً إيرانياً لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية آنذاك، كانت السياسة مصممة لطمأنة “إسرائيل” بأن الولايات المتحدة ستبقي إيران تحت المراقبة.

لقد ظنت الولايات المتحدة أن إيران ستخرج ضعيفة ومعزولة ومرهقة، ما سيضعف دورها في المنطقة، لكن إيران استطاعت تحقيق نجاح اقتصادي، وتمكنت من خلال تحسين العلاقات مع الغرب من جلب الاستثمارات والتكنولوجيا.

حاولت إيران تخفيف التوتر مع الولايات المتحدة، بما في ذلك منح شركات نفطية أمريكية عقوداً لتطوير بعض حقول النفط الإيرانية، لكن واشنطن، وبتحريض إسرائيلي، تجاهلت ذلك، واستمرت في محاولات احتواء إيران وإضعافها.

“لم نكن مهتمين بخلق انفتاح جديد تجاه إيران”، يقول مبعوث كلينتون دنيس روس، مضيفاً: “كنا مهتمين في احتواء ما رأيناه تهديداً”.

بعد ذلك بسنوات بدأت واشنطن تفهم العيب الاستراتيجي الخطير في سياستها الخاصة باحتواء إيران، ورفض المبادرات الإيرانية، والإصرار على تشكيل تحالف للضغط على إيران، وبدأت تتجه نحو إيران لإقناعها بعدم التصدي للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وبالمحصلة كانت النتيجة النهائية للسياسات الأمريكية محبطة للغاية للولايات المتحدة، فقد عززت إيران من ثقلها في المنطقة.

كان واضحاً بحلول عام 2005 أن غزو العراق كان فشلاً ذريعاً، وأن أمريكا لم تستطع أن تحمل إيران على الاستسلام لسياساتها، ولم يكن أمام بوش من خيار سوى التحول إلى سياسة أخرى.

كان ثقل إيران في المنطقة ينمو بسرعة، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لعزلها بسبب برنامجها النووي، فإن التقدم النووي لطهران استمر دون هوادة، كان لدى إيران أقل من 150 جهاز طرد مركزي، ولم يكن لديها مخزون من اليورانيوم المخصب في عام 2003، وبحلول الفترة التي غادر فيها بوش منصبه، كان لدى إيران أكثر من 8 آلاف جهاز طرد مركزي، و1500 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، وهو ما يكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة، مرة أخرى، فشلت جهود واشنطن الرامية إلى بناء تحالف دولي لاحتواء إيران بشكل مؤكد،
واشنطن تخلت (مؤقتاً) عن هدف استبعاد إيران من النظام الإقليمي من خلال الاتفاق النووي الإيراني، من خلال الصفقة، كانت واشنطن تشجع التجارة مع إيران، وتسعى بنشاط لإدراج إيران في الحوارات الأمنية الإقليمية، لقد كان تحولاً هائلاً أنهى ما يقرب من أربعة عقود من الجهود الأمريكية لاحتواء إيران.

اختار أوباما هذا الطريق فقط بعد أن أدرك أن عزلة إيران المطولة لم تكن ممكنة ولا بالضرورة مفيدة، حتى في ذروة قوتها، فشلت الولايات المتحدة في احتواء إيران، حتى عندما كان لديها الكثير من المجتمع الدولي إلى جانبها، كانت الحكومات الأوروبية تسعى إلى إقناع واشنطن بهذا منذ عقود، نقل عن السفير الأمريكي في ألمانيا بيتر فيتيج قوله في عام 2015: “لا أحد يعتقد أن إيران يمكن أن توضع في الوضع الذي تريده أمريكا”، والأهم من ذلك أن أوباما أدرك أن الاستمرار في المسار الفاشل لعزل إيران سيجعل الولايات المتحدة في نهاية المطاف تواجه مواجهة غير مجدية مع إيران.

وإذا كان عزل إيران قد فشل في اللحظة أحادية القطبية، فإن من العبث التوهم أنه سينجح الآن، حيث الولايات المتحدة أضعف بكثير، وإيران أكثر قوة، ومعظم العالم يتخوف أكثر من اندفاع ترامب، وعدم القدرة على التنبؤ بما سيفعله من أعمال قد تقود العالم إلى المجهول، وإن فشل بناء تحالف جديد ضد إيران، سيجعل متطرفي الإدارة يدفعون ترامب نحو ما هو أخطر، بما في ذلك الحرب ضد إيران، الحرب التي يحلم بها بولتون وأمثاله، والتي لن تقود الولايات المتحدة إلا إلى فشل جديد، ولعل ما جرى في أفغانستان والعراق لا يحتاج إلى دليل.