أخبارصحيفة البعث

إيران .. الدولة والثورة المتجددة



د. صابر فلحوط

تتجدد ذكرى الثورة في إيران، في مثل هذا الشهر من كل عام، منذ أربعين سنة ..  غير أن هذه الذكرى العزيزة على قلوب الأشقاء الإيرانيين، وأصدقائهم من الأحرار والثوار على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي، كان لها الأبعاد السياسية والاستراتيجية المميزة بسبب تراكم الإنجازات، وضخامة التحديات، وتنامي الطموحات الخلاقة في الدولة والثورة الشقيقة.

وفي رحاب هذه المناسبة الساطعة، التي نبارك فيها للشعب الإيراني الشقيق والحليف، لابد أن نستذكر بالاحترام والإجلال الرجل الذي قاد هذه الثورة العملاقة “سماحة الإمام الخميني” الذي ضرب المثل غير المسبوق في الثورات، حيث أسقط أعتى طاغية وحليف للامبريالية والصهيونية والاستكبار، وهو الامبراطور محمد رضا بهلوي الشاهنشاه أي ملك الملوك، كما كان يحلو له أن تسميه الصحافة الإيرانية في عصره الذي ملأ فيه السجون والساحات دماً، وقتلاً، وقهراً، وشقاء، وتخلفاً..

ولابد في هذه المناسبة أن نرفع تحية إكبار للقائد المؤسس لسورية الحديثة الخالد حافظ الأسد الذي وقف إلى جانب الثورة الإيرانية دعماً وإسناداً على مختلف الصعد. فقد كان الحكيم الذي أبدع في قراءة المستقبل، كما كان عبقرياً في استطلاع القادم من الأيام بعدما سبر أعماق هذه الثورة، وأدرك أنه جوهرها الأصيل، المتمثل في الوقوف الشجاع والحاسم مع القضية المركزية للأمة العربية فلسطين منذ ولادتها، حيث جددت وأعلنت خيارها إلى جانب المظلومين في المنطقة والعالم ضد الاستكبار العالمي الذي تمثّل بمحوري الشر والإجرام أمريكا، والصهيونية، وحليفتها الرجعية النفطية المرتهنة لأعداء الشعوب وحقوقها.. ولأن جذور الثورة الإيرانية ضاربة عميقاً في وجدان الجماهير وإيمانها الراسخ بالنصر، فقد صمدت منذ لحظة ميلادها وطوال سنوات ثمانٍ في وجه الغزو “الصدامي” الذي أفرغ خزائن أمراء الخليج ونواطير النفط، ليحولها إلى صواريخ ومتفجرات وأدوات تدمير وتقتيل ضد الشعب الإيراني.

إن إيران الثورة التي تطفئ الشمعة الأربعين من عمرها المديد قد حققت من الإنجازات لها ولأجيالها القادمة، في مجالات العلوم والتقنيات على اتساع بحرها، كما ضمنت الاكتفاء الذاتي والمنعة الجبارة، ما يشيلها إلى أرفع المراتب والمستويات العالمية، بدءاً من مئات الجامعات، ومراكز الأبحاث العلمية إلى تصنيع المعدات العسكرية والدفاعية في مختلف الأنواع والصنوف وامتلاك القدرات الصاروخية العادية والدقيقة للاستخدام في الجو والبحر، وعلى الأرض، والأقمار الصناعية التي تجوب الفضاء للأغراض الدفاعية والعلمية والاستكشافية حتى احتلت المراكز المتقدمة بين دول العالم..

وقد امتلكت إيران حرية قرارها السياسي والسيادي في ترسيخ الحياة الديمقراطية عبر عمليات انتخابية برلمانية ورئاسية غاية في الشفافية، وفي مواعيدها الدقيقة رغم الحصارات المتعددة الأشكال والأساليب من جانب الاستكبار العالمي والدول التي تستفي بظلاله!!.

ولعل أبرز إنجازات الثورة الإيرانية على الصعيد التقني هو قدرتها الهائلة على استخدام الذرة للأغراض السلمية، وتفوقها في البحث العلمي حتى احتلت المركز الأول في المجال الطبي وعلاج الأمراض المستعصية، واستخدام الخلايا الجزعية، وتقديم كل ما يضمن السلامة الصحية والكفاية الدوائية في المجتمع الإيراني.

والدولة الإيرانية التي تفوق مساحتها مساحة بريطانيا وفرنسا، واسبانيا، وألمانيا، مجتمعة، ويفوق عدد سكانها الثمانين مليوناً تمكنت من تحصين مجتمعها بكل مستلزم الغذاء والدواء إلى مستوى أرقى دول العالم في هذا المجال، وكل ذلك رغم الحصارات المتعددة التي لم تشهد مثلها دولة في العالم باستثناء سورية العربية خلال الحرب الكونية عليها..

وإذا كان (الضد يظهر حسنه الضد) كما قالت العرب قديماً، فلعله من المفيد الإشارة إلى مشهدين اثنين.. الأول: قدّر لنا أن نزور طهران عام 1974، وقد قمنا بزيارة (متحف مجوهرات الشاهبانو) في أشهر شوارع العاصمة، وهو غابة من الكنوز الفائقة الأثمان، والخاصة بزوجة الامبراطور (فرح ديبه).

وخلال الشرح الذي قدمه مدير المتحف، قال: (لقد بحثنا عدة شهور في مختلف المصارف الكبرى، وبيوتات المال، حتى وجدنا مؤسسة ضمان مالية للتأمين على موجودات المتحف)!!.

والثاني: هو رؤية أعداد “الغلابة” والمتسولين من الفقراء الذين تضج بهم شوارع المدن الإيرانية !!.

بينما يشهد الزائر اليوم للمدن الإيرانية، التطور الهائل في حياة الناس، والمجتمع الإيراني في الثقافة والفنون والفكر، والصحافة والإعلام والاقتصاد، والتعاطي مع أرقى إبداعات العصر الالكترونية إلى جانب الجمعيات الخيرية، والمؤسسات الاستهلاكية والخدمية التي جعلت نسبة البطالة هي الأخفض في إيران بين دول العالم..

ونحن في سورية العربية، وقد وصلنا إلى الهزيع الأخير من ليل الحرب الكونية التي استخدمت فيها أمريكا والصهيونية العالمية والرجعية النفطية الإرهاب التكفيري الوهابي سلاحاً لتدمير الوطن، وهلاك أبنائه، لا بد أن نرسل تحية وتهنئة للشعب الإيراني الشقيق في عيد ثورته المتجددة، والمتجذرة في ضمائر المناضلين في جبهة الشرفاء، والثوار ضد الاستكبار والصهيونية، كما نحيي دماء الشهداء من بواسل الخبراء الإيرانيين الذين تآخت دماؤهم مع دماء أبطال الجيش العربي السوري، وأشاوس محور المقاومة في الحرب الوطنية العظمى فوق الأرض العربية السورية.