دراساتصحيفة البعث

التقارب الفرنسي- الألماني مشروع محكوم بالفشل

ترجمة: علاء العطار عن موقع “أتلانتيك كانْسِلْ” 13/2/2019

تتجه ميزانية الدفاع الألمانية صعوداً، لكن هل باستطاعة برلين الحفاظ على زخم الإنفاق في ضوء احتمالات تباطؤ الاقتصاد العالمي؟، تحوم هناك أيضاً أسئلة حول الكيفيّة التي ينبغي أن تنفق بها البلاد أموالها الدفاعية على المدى البعيد، بحسب قول مسؤولي الدفاع وخبراء السياسة. لطالما خفضت ألمانيا من إنفاقها عندما يتعلّق الأمر بالالتزام بمبدأ ميزانية الدفاع لحلف الناتو الذي يبلغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل حليف، ولكن الأمر يتغيّر الآن. ومنذ التعهد الجماعي الذي قدّمه الحلفاء في قمة “ويلز” لعام 2014 بالوصول إلى نسبة 2% بحلول عام 2024، اعترفت برلين مراراً بأنها لن تحقّق نسبة 2% بحلول عام 2024، ولكنها تعهدت بالوصول إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع بحلول ذلك الوقت. حتى الآن، كان لتعهد “ويلز” نتائج إيجابية، فحلف الناتو يقدّر أن الحلفاء الأوروبيين إضافة إلى كندا أنفقوا 41 مليار دولار إضافية على الدفاع منذ عام 2016، وسينفقون 100 مليار دولار إضافية بحلول نهاية عام 2020 مقارنة بالعام ذاته، وبحلول 2024 سيكونون قد أنفقوا 350 مليار دولار إضافية، بحسب الحلف. أما بالنسبة لألمانيا، فقد رفعت برلين الإنفاق على الدفاع بشكل ثابت من 1.18% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 1.24% في عام 2018. من ناحية أخرى، يعتزم مشروع ميزانية الدفاع خاصتها لعام 2019 الوصول إلى 41.54 مليار يورو، بزيادة قدرها 3 مليارات يورو من سنة لأخرى. واحتمال أن يكون هذا التقدم التدريجي نحو 1.5% تقدماً سلساً هو مسألة أخرى، فالاقتصاد الألماني يتباطأ، ومعه الإيرادات الضريبية. وتشير التقارير الصحفية الأخيرة إلى وثائق وزارة المالية التي تدلّ على عجز إجمالي في الميزانية الحكومية يبلغ نحو 25 مليار يورو من الآن وحتى عام 2023، مع ما يترتب على ذلك من آثار محتملة على زيادة الإنفاق الدفاعي الألماني المخطّط لها بعناية، ولن تظهر الأرقام النهائية وانعكاساتها حتى نهاية شهر آذار. ورغم خطر انخفاض الزيادات في ميزانية الدفاع، لا تزال ألمانيا تهدف إلى الوصول إلى هدف 1.5%، تبعاً لمسؤول سياسة الدفاع الألماني. وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في 12 شباط: “ما زلنا نعمل على ميزانية عام 2020، ومنظورنا لعام 2023 وما يعنيه ذلك بشكل ملموس ما زال قيد المناقشة، لكننا أكدنا مجدداً نيّتنا في إنفاق 1.5% بحلول عام 2024”. هل يمكن إذن عزل ميزانية الدفاع الألمانية عن تأثير عجز الميزانية الحكومية الأوسع؟ “ليس بالإمكان الجزم، ولكن الوصول إلى الهدف البالغ 1.5%، يحتاج إلى زيادات ثابتة في الإنفاق على الدفاع”، على حدّ قول المسؤول. ويرى الحلفاء الآخرون أنه من المهمّ أن تبقى ألمانيا على مسار الميزانية، ليس لأن اقتصادها، وهو الأكبر في أوروبا، سيشكل أكبر عنصر في الزيادات المستقبلية في إنفاق الحلفاء الأوروبيين وحسب، وإنما لتحديث قوات البلاد بشكل خاص. وقال مصدر دبلوماسي بريطاني في 11 شباط الحالي: “من منظورنا، من الأهمية بمكان أن تأخذ ألمانيا على عاتقها تقاسم أعبائها على محمل الجد، لأنها حليف رئيسي، وهذا لا يتعلق بإنشاء جيش ضخم، بل بتحسين خاصية الجيش الألماني وجعل استعدادات قواته مطابقة للنظام، والحفاظ عليه أمر مكلف للغاية”. ورغم ما يلوح في الأفق من ضغوط محتملة على الميزانية الإجمالية الألمانية، بإمكان برلين (والعواصم الأوروبية الأخرى التي لا تنفق سوى القليل) الحصول على فرصة لالتقاط أنفاسها فيما يتعلق بأدائها مقابل هدف الإنفاق الذي حدّده حلف الناتو بنسبة 2%. بالنسبة إلى الناتو، يشتمل هذا الهدف على “المال والقدرات والمساهمات”: الأموال في ميزانية دفاع البلاد، وإنفاقها على القدرات التنموية، وأخيراً تكلفة مساهماتها في القوات والعتاد في العمليات المشتركة. وطريقة تعريف هذه التيارات الثلاثة -أي الأمور التي يجب تضمينها فيها كتكاليف- لا تزال قيد العمل بين الحلفاء، فقد كان وزراء الدفاع في حلف الناتو يراجعون المفهوم مجدداً خلال اجتماعهم في 13-14 شباط في بروكسل. وكما قال أحد أعضاء الناتو في 12 شباط: “علينا أن نضمن أن يحصي كل عضو ما ينبغي عليه فعله وبالطريقة نفسها”. على سبيل المثال، هناك دعم متنامٍ لتضمين إنفاق للحلفاء على البنية التحتية لما يُسمّى بالحراك العسكري لكي تتمكن قوات الحلف من المرور السريع عبر أوروبا بغضّ النظر عن مصدر الأموال، وعليه، إن أنفقت وزارة النقل لأحد البلاد ميزانيتها لتحسين جسر أو مدرج يمكنه تسهيل حركة المعدات العسكرية والأفراد العسكريين، فقد يتمّ احتساب هذه الأموال على الإنفاق في البلاد ضمن نسبة 2٪. ومن الجدير بالذكر أن وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، وهي عضو في حكومة حركة النجوم الخمس الشعبية في البلاد، دعت حلف الناتو إلى المضي أبعد من ذلك وتضمين الإنفاق الاجتماعي في الحساب. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن نقاش “المال، وتخفيض سعر الفائدة، والمساهمات” يشير مباشرة إلى ما يُدعى الصناديق الهيكلية الهائلة للاتحاد الأوروبي المخصّصة لمصاريف البنية التحتية في جميع أنحاء القارة الأوروبية، وحدّد الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو أين وكيف يمكن إنفاق الأموال، التي تبلغ مئات المليارات من اليورو، لتحقيق أكبر فائدة مزدوجة لاقتصاد الاتحاد الأوروبي واحتياجات الحلفاء في المجال العسكري. لن يشكّل هذا الإنفاق سوى شريحة صغيرة من إجمالي الصناديق الهيكلية، ومع هذا، فحتى شريحة صغيرة من مئات المليارات من الدولارات لن تكون شيئاً تافهاً، وفي الوقت نفسه ستساعد في تضييق فجوة الإنفاق الدفاعية الرسمية لأكثر من بضعة حلفاء- على الأقل على الورق.