رياضةصحيفة البعث

المدرب الوطني محروم من حقوقه هجرة كوادرنا التدريبية الوطنية سببها الظلم المالي المجحف وعدم احترام اتحاد الكرة لصلاحياتهم



حديثنا اليوم يتجه نحو المدرب، وهو المفصل الأهم في العملية الرياضية، ودونه لا يمكن لأي نشاط رياضي أن يستقيم عوده، أو أن يستوي حاله، وإذا كان الحديث دوماً ينصب في خانة كرة القدم فلأنها اللعبة الشعبية الجماهيرية التي تستقطب الأضواء، وتحوز على الاهتمام.

والتساؤل الذي يدور في أذهان  الجميع: ما هي الأسباب  التي تجعل زهرة مدربينا الوطنيين يهاجرون إلى فرق عربية، ويحققون نجاحات باهرة، وهاجس عشاق كرة القدم أن يروا هؤلاء مدربين للمنتخبات الوطنية، وللأندية المحلية، فلماذا خسرنا مدربينا من أمثال محمد قويض، ونزار محروس، وياسر السباعي، وحسام السيد، والقائمة تطول؟! هذه التساؤلات تقودنا حتماً للحديث عن موضوع عقود المدربين الوطنيين.

سخاء وتقنين

وجدنا أن سخاء اتحاد كرة القدم بالدفع للمدرب الأجنبي كبير جداً، بينما  التقنين يكون حاضراً في الدفع على المدرب الوطني، وعندما تسألهم عن سر ذلك، يقولون لك: هذه قوانين منظمة الاتحاد الرياضي العام، فهذا التفاوت في القوانين المالية التي تتبعها المنظمة على الصعيد الداخلي والخارجي، ولاسيما في أجور المدربين الأجانب والمحليين، أحد أهم الأسباب في هجرة مدربينا إلى الخارج، والعزوف عن تدريب المنتخب الوطني!.

فالمدرب الأجنبي تدفع له المنظمة بسخاء وكرم حاتمي، وبالعملة الصعبة، ولا يوجد قانون يحد طموحه وطموح القائمين على التعاقد معه، ويطبق الاتحاد الرياضي مبدأ (العقد شريعة المتعاقدين) في التعاقد مع المدرب الأجنبي، أما إذا كان المدرب محلياً فإن السخاء الذي تتعامل به المنظمة مع الأجنبي يغيب تماماً، لتحل بدلاً منه كل القوانين المالية التعسفية التي لا يقبل بها أي مدرب!.

ميزات للأجنبي

وفوق ذلك نجد الميزات تنهال على المدرب الأجنبي من منزل فاخر، وسيارة سياحية، ونفقات لا يعلم بها إلا القائمون على خدمة هذا المدرب، وبالمقابل فإن مدربنا الوطني لا ينال إلا القليل من المال الذي لا يتناسب مع جهد المدرب، وأهمية مركزه، حتى إن صلاحياته الفنية التي هي من اختصاصه تتم مصادرتها، وهذا ما حصل مع معظم المدربين، لذلك عندما تم طلب التعاقد مع نزار محروس، وكان من أهم شروطه إعطاؤه الصلاحيات المطلوبة التي هي من حقه، وأهم عوامل نجاحه، كانت النتيجة عدم التعاقد معه لأن المدرب الوطني يجب أن يعمل دون صلاحيات، ودون راتب “محرز”، و”من فم ساكت”!.

فالمدرب الوطني لا تُدفع له أدنى حقوقه، وأجوره لا تعادل أجور مدرب في الدرجة الثانية بأضعف دولة تمارس كرة القدم، بينما الموازنة مفتوحة وبالعملة الصعبة للمدرب الأجنبي الذي يدرب منتخباتنا الوطنية، مع الإشارة إلى أن إمكانيات هؤلاء الأجانب ليست أفضل من مدربينا، وهذا ما أثبتته التجارب والنتائج.

السقف مفتوح بالأندية

والمستغرب أنه على الصعيد الداخلي نجد أن الدفع مفتوح بالأندية، فلا قوانين تحدها بالتعامل مع اللاعبين والمدربين على حد سواء، فيمكن للمدرب أو أي لاعب أن يقبض مبلغاً متفقاً عليه مهما علا أو انخفض، أي أن المدرب نفسه الذي يدرب المنتخب الوطني راتبه في النادي المحلي أعلى من راتبه مع المنتخب، لأن القوانين المالية تقف بوجه هذه العقود والرواتب في المنتخبات الوطنية، ونستغرب لماذا تتمسك القيادة الرياضية بما وضعت من شروط مجحفة، ومال تقشفي أمام مدربينا، وحتى أمام لاعبي المنتخب الوطني!.

ومن المفترض (بديهياً) أن يكون الهم والاهتمام والدعم بشكله الأكبر للمنتخبات الوطنية، ومن هذا الجانب يجب أن تكون ميزانية المنتخبات مفتوحة بالعقود، والرواتب، والمكافآت.

عمولات غائبة

بالأمس القريب تعاقد اتحاد كرة القدم مع مدرب أجنبي، ومعه مدربون مساعدون من هنا وهناك، ومن جنسيات أجنبية، وقام اتحاد كرة القدم بالدفع لهؤلاء ثمن العقود، والرواتب، والنفقات من الشقق الفاخرة المفروشة، أو الأجنحة في الفنادق الفخمة، وسيارة مع سائق من موديل حديث، وغير ذلك من النفقات المعلومة والمستورة!.

أحد الخبثاء قال لنا: يدفعون بسخاء للمدرب الأجنبي لأنهم يحصلون على عمولات من هذه الصفقات، ويحصلون على فوائد أخرى من خلال النفقات، أما المدرب الوطني فلا يستطيعون مفاوضته حتى لا يكون سرهم مفضوحاً!.

نتيجة طبيعية

من هنا نؤكد أن الصورة المهزوزة التي ظهرت بها منتخباتنا الوطنية كانت نتيجة طبيعية لهذا الشح المالي للكوادر الوطنية الذي أوصلنا إلى المراكز المتأخرة دولياً، ولذلك نجد أن العديد من المدربين ابتعدوا عن المنتخب الوطني، ومنهم من يفضل أن يبقى مدرباً لناد محلي على أن يدرب المنتخب، وهنا نسأل: بأي قانون في العالم يُعطى مدرب المنتخب الأول أقل من ألف دولار؟!.

لذلك فالمدربون الوطنيون يهاجرون للعمل مع أندية ومنتخبات تقدر جهدهم وإمكانياتهم، وتدفع لهم ما يستحقون، ومازال هناك الكثير من المدربين يحزمون حقائبهم للمغادرة إلى دول الجوار، والهجرة لا تقتصر على مدربي كرة القدم، بل تشمل العديد من الألعاب الأخرى، وتشمل أيضاً اللاعبين والإداريين وغيرهم، وإن استمر الحال على هذا المنوال فعلى رياضتنا السلام!.

محمد عمران