الصفحة الاولىصحيفة البعث

واشنطن وشماعة “هاواوي”

تشن الولايات المتحدة الأمريكية حرباً غير مسبوقة على الصين من بوابة شركة هاواوي العملاقة للاتصالات، حرب في الظاهر تبدو تجارية بحتة سعياً من واشنطن للحفاظ على مكتسباتها التكنولوجية والتقنية، ولكن أن تكون الشركة على رأس جدول أعمال وزير الخارجية بومبيو في جولته الأوروبية الأخيرة، وأن يطالب نائب الرئيس مايك بنس الحلفاء بعدم التعامل معها على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، فهذا الأمر يدعو إلى الاستغراب والتساؤل، فهل الهجوم المستمر على هاواوي هو محاولة مبطنة من واشنطن لكبح جماح بكين في الكثير من المجالات الأخرى سياسية أو عسكرية.. أم أنها مجرد مسائل تجارية تتعلق بالحفاظ على الحصص السوقية؟.
مع بداية تسلّم وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة باتريك شاناهان دعا “قادة الجيش إلى أن يركزوا على “الصين، ثم الصين، ثم الصين”، فيما كان مايك بومبيو أكثر وضوحاً عندما قال: “إن بلاده لن تستطيع أن تكون شريكة لدول تستخدم أنظمة من “هاواوي”، أو تتعامل معها في مجال المعلومات”، دعوة بلا شك تتماشى والعقيدة الأمريكية الجديدة التي وقّعها دونالد ترامب، ووضعت روسيا والصين كأكبر مهددين للأمن القومي الأمريكي، لذا فقد كان واضحاً أن واشنطن تسعى لمحاصرة بكين والضغط عليها، لمنعها من ممارسة أي أدوار على الصعيد الدولي والإقليمي تكون في خندق ضدها، فكان التركيز على هاواوي واتهامها بأنها أداة للحكومة الصينية تستخدم منتجاتها للتجسس على الأمريكيين، وسرقة الكثير من الأسرار العسكرية، رغم نفي بكين الرسمي لذلك، كما اتخذت الحكومة الأمريكية الكثير من الإجراءات التفتيشية بحقها، أي هاواوي، ودفعت بالحلفاء إلى مقاطعة منتجاتها تحت نفس الذرائع (أستراليا- نيوزيلاند)، فيما منعت اليابان استخدام أجهزة مجموعتي هاواوي وزد.تي.إي، وأصدر الاتحاد الأوروبي تحذيراً من المخاطر الأمنية لمعدّات الاتصالات الصينية.
كل هذه الحرب تؤكد أن الهدف ليس تجارياً بحتاً، وإنما يهدف إلى منع التنين الصيني من أخذ دوره في قطاع التكنولوجيا العالمية، التي وبحسب مراقبين فإن بكين قطعت أشواطاً كبيرة في هذا المجال، ولاسيما فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، فهل ستؤدي العقوبات إلى تحقيق المطلوب، أم ستنعكس على واشنطن وحلفائها وشركاتها؟..
في المقابل تؤكد الصين أن الحرب على هاواوي حرب “مغرضة وخاطئة”، تحاول من خلالها القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا الضغط على بكين للحصول على تنازلات في مسائل تجارية، فيما كان مؤسس شركة هاواوي رين زينغفي، أكثر حزماً: “لا يمكن مطلقاً للولايات المتحدة أن تسحقنا”.
وعليه فإن الحرب على هاواوي تخفي خلفها أسراراً كبيرة، أبعد بكثير مما تطرحه واشنطن وتروّجه عبر إعلامها، فالتطوّر الهائل الذي تحققه بكين اليوم في مجال التكنولوجيا يدفع بالشركات والحكومات الحليفة لها قبل المناصرة لبكين إلى الاستفادة منها، بمعنى آخر إن التكنولوجيا ستكون المؤسس لعالم “عالم رقمي جديد” تكون فيه الكلمة للأقوى، وهنا بالتأكيد سيكون لبكين الكلمة العليا، أي إن الخطر الذي تقول عنه واشنطن بأنه مهدّد لأمنها، سيقع لا محالة، وبالتالي فإن كل الخطط والمشاريع التي تقودها أمريكا، بداية من الانسحاب إلى الشرق الأقصى ومحاصرة الصين عسكرياً، وحتى التودّد إلى كوريا الديمقراطية، لن تفلح في تعطيل بروز الصين كقطب جديد في العالم قادر، مع حلفائه من روسيا ودول البريكس وشنغهاي، وبما يملك من تقنيات مذهلة، أن يفرض السياسات التي تؤسس لعالم جديد متعدّد الأقطاب.
سنان حسن