تحقيقاتصحيفة البعث

تنافس خطابي؟!

 

الضربات الموجعة التي يتلقاها الفلاح في كل عام تثبت أن آماله اتكأت على الكثير من المصفوفات الورقية التي كانت سبباً مباشراً في زيادة خسائره، وتعميق مشكلاته، حيث أمعنت جميع الجهات التي تتنافس خطابياً بطرح الشعارات والأهداف الكبيرة التي لا يكتب لها التنفيذ، وتبقى مكدسة في ملفات عامرة بالإخفاق، عدا عن التفاوت الكبير في الأرقام التي تقدم ضمن منظومة الدعم الزراعي، وبين ما يصل إلى أرض الفلاح بشكل فعلي دون أية منغصات وأعباء مالية إضافية وغير قانونية، وهنا لن نتكلم عن المعادلات التي تطرح في كل المناسبات دون أن يكون لها أساس في حياة الفلاح.
وما يثير الغرابة أنه في الوقت الذي يهدد الأداء الضعيف القطاع الزراعي برمته، تنشغل الجهات المعنية فيما بينها بمحاولات سحب البساط، وتقاذف المسؤوليات تحت عنوان المصلحة الوطنية، واحتضان قضايا الفلاح، حيث تطعن كل جهة بعمل المؤسسات الأخرى، وتجردها من الصوابية، وتنكر أية جهود لا تمر من بوابتها، وهذه الحالة عامة، وبدلاً من التعاون والتنسيق نجد التفرد والقطيعة وعدم الانسجام، وهذا ما يؤدي إلى قطف الفلاح خيبات الأمل في كل موسم، وبشكل يفرغ البيادر من المحاصيل، وهنا نسأل جميع الجهات عن إجراءاتها لتشجيع الفلاح على بقائه بأرضه، واستمراره بالعمل الإنتاجي والزراعي.
وبكل تأكيد ستتضمن الإجابة عن هذا التساؤل عشرات الأوراق التي ترصد على صفحاتها الكثير من الإنجازات، والأرقام، والمشاريع، والبرامج التنموية التي لو صدقت بنتائجها لكان الفلاح بألف خير، ولا شك أن ارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية، ونقصها، والاعتماد على السوق السوداء لتأمينها، يغرق أية إجابة في التكرار الممل وغير المجدي.
وإذا كان الفلاح يطالب اليوم بحلول جذرية تكون سنداً له في الحفاظ على ما تبقى من أرزاقه التي أفنى حياته في الدفاع عنها، والعمل ليل نهار من أجل الحفاظ عليها، فعلى الجهات المسؤولة القيام بمهامها، والوفاء بالتزاماتها ووعودها بتأمين تصريف منتجاته وتسويقها، ومراقبة الأسعار، وانتهاج سياسة تساهم في تأمين المستلزمات الزراعية، وتسهيل وصولها للفلاحين كي تضمن حقوقه، وتحافظ على أرضه بشكل يمكنه من الصمود، ومضاعفة الإنتاج الزراعي، وطبعاً الطرح هنا ليس بقصد الإساءة لأية جهة، بل مجرد محاولة لإيقاظ من استسهل الوعود على حساب العمل الفعلي.
ولا شك أن الاستمرار في الاختباء وراء الظروف لتبرير الانتكاسات الزراعية المتتالية لم يعد مقبولاً، ولابد من عمل جاد يهيىء لمرحلة قادمة تحمل مؤشرات مبشرة بمواسم عامرة، وهذا يستدعي تغيير نهج تجيير المشكلات من عام إلى آخر، وإيجاد منظومة دعم حقيقية للفلاح تمنحه فرصة استثمار كل شبر من أرضه، كما يجب الانتباه إلى أهمية تقليل الحلقات الوسيطة، سواء لجهة تأمين مستلزمات الإنتاج، وما يجري في مساراتها من فساد، واقتناص الكميات، والمتاجرة بها من قبل بعض المنضوين في إدارات وهيئات عاملة في المجال الزراعي، وبذلك تتحول الأقوال إلى أفعال.
بشير فرزان