دراساتصحيفة البعث

لماذا كل هذا الحقد على إيران؟

ترجمة: هيفاء علي

عن ريزو انترناسيونال

تساؤل يطرحه الصحفي الفرنسي، ريتشارد لابفيير، المختص بشؤون الشرق الأوسط،  في سياق مقاله التحليلي العميق، الذي يتطرّق فيه إلى مدى حقد الغرب التاريخي على إيران، وحملة التحريض التي تقودها إدارة ترامب ضدها، وآخرها مؤتمر وارسو الذي كان عنوانه الرئيسي “معاداة إيران”، كما يتحدث الكاتب عن ترسيخ التطبيع بين ممالك الخليج والكيان الإسرائيلي للهدف نفسه، أي “شيطنة إيران”.

احتفلت جمهورية إيران الإسلامية منذ أيام بالذكرى الأربعين لتأسيسها، وأقل ما يمكن قوله هو إن هذه المناسبة تثير  فيضاً مستمراً من التضليل والدعاية من قبل الغرب ضد هذا البلد العنيد.

مهما كانت الأخطاء فإن الثورة الإيرانية نجحت في مواجهة الرياح والمدّ والجزر، وفي الدفاع عن استقلالها. ورغم العداء لإيران، إلا أنها لاتزال تحافظ على مطاعم ماكدونالدز، ستاربكس وغيرها من المصائب من الوجبات السريعة الأنغلوسكسونية المنتشرة وسط مدنها.

الثورة الإسلامية التي كان لها الجرأة على احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين كرهائن، لا يمكن إلا أن تكون محكوماً عليها بالهمس العالمي: هذا البلد ذو الـ80 مليون نسمة، والوريث لأكثر من 7000 سنة من الثقافة، والمحاط بسبع دول يشهد بعضها أزمات وحروباً (أذربيجان، أرمينيا، تركيا، العراق وتركمانستان وأفغانستان وباكستان)، ويواجه في الخليج السعودية، مع كل ذلك هو بلد يعيش في سلام، إنها لمعجزة!.

من المؤكد أن استقرارها الداخلي يخضع للاختبار من قبل العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية التي تضرب أشد السكان ضعفاً وفقراً، مما يغذي التضخم والبطالة والغذاء والصحة. منذ عام 1979، تعمل الولايات المتحدة والأوروبيون ودول الخليج وإسرائيل على وجه الخصوص على تشجيع  حزب الحياة الحرة لكردستان، ومنظمة مجاهدي خلق وغيرها من الجماعات المسلحة لزعزعة استقرار حكومة طهران.

وفي السنوات الأخيرة، زادت تل أبيب من عمليات الاغتيال التي تستهدف العلماء والباحثين، والهجمات القاتلة، وعمليات التخريب، والهجمات الإلكترونية، في محاولات يائسة لتغيير نظام الحكم. على الرغم من كل هذه الإهانات فإن إيران اليوم هي دولة واثقة من مستقبل شبابها، وهي قوة إقليمية من الضروري النظر فيها لمستقبل الشرق الأدنى والشرق الأوسط.

عندما فاز الرئيس روحاني بولاية ثانية، هبّ ترامب بسرعة البرق إلى السعودية لإجراء محادثات مع الرياض، التي تدعم وتموّل الإرهاب الدولي، بغية العمل على عزل إيران. ما يدلّ على  إثبات وجود حالة إنكار للواقع، رغم أن الجميع يعلم أن النظام الملكي الوهابي وغيره من دول الخليج عمل على نشر الإسلام الراديكالي لعقود!.

إن هاجس إعادة انتخابه لولاية ثانية، دفعه لتدمير كل ما فعله سلفه باراك أوباما، فألغى الاتفاق النووي التاريخي مع إيران، الذي تمّ وضع اللمسات الأخيرة عليه في 14 حزيران 2015 في فيينا. وباتباع المنطق نفسه، بل سخّرت الدبلوماسية الأميركية كل طاقاتها لتحقيق التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل للتوحد ضد إيران. وكانت آخر مبادرة من الولايات المتحدة، هي عقد مؤتمر دولي نظمته في وارسو يوم 14 شباط الحالي تحت عنوان: “السلام والأمن في الشرق الأوسط”، تنوي واشنطن من خلاله  إقامة “حلف شمال الأطلسي العربي” الذي ستكون مهمته إسقاط نظام الحكم الإيراني الحالي.

لقد كان ضيف الشرف في المؤتمر هو مجرم الحرب بنيامين نتنياهو الذي أعلن أن “شيئاً هائلاً يحدث هنا..”، حيث انتهز الفرصة للوصول إلى الزعماء البولنديين والهنغاريين والتشيكيين والسلوفاك الذين كانوا ينتقدون الاتحاد الأوروبي.

بعد زرع  الفتنة الطائفية، وتحريض العالم ضد إيران، تقوم الدبلوماسية الأمريكية بحفر خط فاصل جديد في الشرق الأوسط، وسياسة الخربشة هذه التي لا تهدف إلى كسب الحروب التقليدية، بل على إدارة بؤر متعدّدة من “عدم الاستقرار”، هذه الإستراتيجية لا تستهدف فقط إيران وجميع الدول التي لا تقبل النظام الأمريكي، وإنما تستهدف أيضاً  الاتحاد الأوروبي.

حقيقة، لا يريد دونالد ترامب فقط أن يجعل الأوروبيين يدفعون نفقات حلف الناتو، الذي يتعيّن عليه شراء المعدات الأمريكية، ولكنه يحاول أيضاً إضعاف الاتحاد الأوروبي سياسياً. وكان هناك ثلاثة مواقف أوروبية أثارت مؤخراً غضب الرئيس الأمريكي هي: البيان المشترك الصادر عن (ماكرون، ميركل، ماي) الذين رفضوا من خلاله التخلي عن الصفقة النووية الإيرانية، قائلين إن قرب طهران من الدول الأوروبية يتطلّب تقديراً مختلفاً جداً عما يُزرع على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وعملوا على وضع إجراءات تجارية مع إيران تتجنّب الدولار والعقوبات الجديدة.. وأخيراً، الطموحات الأوروبية لدفع “أوروبا من أجل الدفاع” إلى الأمام والاستقلال أكثر عن الناتو.

إذاً، تريد الولايات المتحدة بقيادة ترامب شنّ الحرب على إيران وفنزويلا، وبناء جدار ضد المكسيك، وتواصل  تمويل الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وأعلنت الحرب على العالم وعلى الأجيال القادمة، وفي الوقت نفسه تريد إقناع العالم بأن إيران هي التي تشكّل  التهديد العالمي الرئيسي!!.