دراساتصحيفة البعث

اللياقة السياسية في التعامل مع قضية المُهاجرين

ترجمة: لمى عجاج

عن موقع غلوبال ريسيرش 24/2/2019

في ظلّ التراجع الاقتصادي والخوف من الغد كثُرت ظواهر النبذ الاجتماعي ونمت الإيديولوجيات العنصرية، وبذلك غدا المهاجر الأجنبي مركز العنف والعزل، وأصبحت الجنسية الوطنية من مبررات التفرقة العنصرية والتمايز الاجتماعي.

هناك منهجان مختلفان للحديث عن قضية المهاجرين، فلدينا الذين يفضّلون الحديث حول هذه القضية باستخدام المنهج المعياري (القياسي)، وهناك الذين يختارون المنهج التوصيفي باستخدام المنطق، ومعظم المفكرين في هذه الأيام يميلون إلى المنهج الأول. وفي معرض الحديث عن هذه القضية علينا الاعتراف بأن مسألة اختلاط الأعراق هي مسألة حسّاسة في عالمنا المعاصر، وخاصة عندما يهاجر الملايين من دول العالم الثالث ممن يمتلكون المؤهلات وممن لا يمتلكونها، ويتركون بلدانهم ليهاجروا إلى دولٍ مزدهرة اقتصادياً ليبحثوا عن مستقبلٍ أفضل لهم ولعوائلهم، ولكنهم يفاجؤون بواقعٍ مختلفٍ تماماً على عكس ما تخيّلوه عندما يجدون بأن هذه الدول ترفض استقبالهم وتعتبرهم غرباء وغير مرغوب بهم، مما يعني أن على هؤلاء المهاجرين أن يفهموا أن الهجرة هي واقع غريب على هذه المجتمعات. ولنقرّب الفكرة ونبسطها يمكننا أن نستخدم هذا التشبيه، فعندما نقتلع نبتةً مزهرةً من الحديقة ونحاول أن نزرعها في بيئة مختلفة فهناك احتمال لهذه النبتة أن تزهر وقد لا تزهر، وهذا يعتمد على قدرتها على التكيّف والتأقلم مع البيئة التي توضع فيها، ولكن عندما نقوم بتغيير البيئة بكاملها لتتلاءم مع هذه النبتة فإن البيئة المصطنعة سوف لن تكون مناسبة للنبتة الأصلية، مما يعني أن الطريقة الأنسب للتعامل مع قضية الهجرة هي بعدم تشجيع المهاجرين على ترك أوطانهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم ليبحثوا عن فرص عمل أفضل في دول أجنبية مختلفة تماماً عن ثقافتهم وبيئتهم، حيث قد يحسّنون وضعهم المادي، ولكن  ذلك سيكون على حساب عزلتهم الاجتماعية وإحباطهم العاطفي. ولنحدّ من ظاهرة الهجرة علينا أن نعمل أولاً على إعادة ترميم النظام الاقتصادي العالمي، وذلك بتضييق الفجوة الحاصلة من الخلل النسبي في توزيع الثروة بين الدول المتقدمة والدول النامية، عندها لن يضطر المهاجرون إلى ترك أوطانهم والهجرة إلى دولٍ أخرى إلا في حالات معيّنة كطلب العلم أو السفر أو تبادل الثقافات. إن الإنسانية تقتضي أن نكون عادلين ومنصفين في معالجتنا لقضية المهاجرين، لأن عقليتهم ومواقفهم وسلوكياتهم تكون مبنية بشكلٍ أساسي على البيئة والثقافة التي جاؤوا منها، فالشخص الذي ولد ونشأ في الباكستان أو الهند على سبيل المثال عادةً ما يكون لديه الكثير من القواسم المشتركة مع الأشخاص الذين يعيشون في شبه القارة الهندية، لذلك واجه الجيل الأول من الهنود والباكستانيين في السنوات الأولى من هجرتهم إلى الدول الأجنبية الكثير من الصعوبات في التأقلم مع ثقافة مختلفة كلياً عن ثقافتهم، مع أن التعميم هنا غير وارد لأن ذلك يعتمد على قابلية ورغبة المهاجر نفسه وعلى مستواه التعليمي والقيم الأخلاقية التي تربّى عليها في سنواته الماضية، خاصة وأن هذه المجتمعات لديها العديد من الثقافات والديانات وكل عائلة فيها تتبع لثقافة معيّنة. وعلى العموم فقد اندمج الهنود والباكستانيون الذين ينتمون إلى أسرٍ مثقفة ومتحرّرة بشكلٍ  جيد مع المجتمعات الغربية، ولكن المحافظين منهم، وخاصة المنحدرين من المناطق الريفية المتخلفة، وجدوا صعوبةً في الاندماج بالمجتمعات الغربية المختلفة اختلافاً جذرياً عن ثقافتهم، ومن ناحية أخرى هناك نوعٌ آخر من المهاجرين الذين جاؤوا من بيئةٍ فقيرةٍ محرومة، وهؤلاء يفضّلون العيش في المجتمعات المحافظة التي تشبه مجتمعاتهم إلى حدّ ما، كالدول الخليجية على اعتبار أنها أكثر قرباً وملاءمة لواقعهم الفردي والاجتماعي، في حين نجد أن الجيل الثاني من المهاجرين الذين ولدوا وتربوا في المجتمعات ذات الثقافة الغربية اندمجوا بسلاسة مع المجتمعات التي استضافتهم، وأصبح لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع هذه الشعوب والثقافات، أي يمكن أن يعدّ الجيل الأول بمعظمه أمريكياً باكستانياً، بينما يعدّ الجيل الثاني بغالبيته أمريكياً ولكن ببشرة سمراء وأسماء غير مألوفة.

ولكن هذا الرأي لن يكون سائداً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار السياسة التي ينتهجها ترامب ضد المهاجرين، والموقف الذي يتبناه البريكست في المملكة المتحدة البريطانية، ويقف ضد قانون الهجرة والمهاجرين الذين انتشروا في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا، فإننا سنجد أنه يندرج ضمن وجهة النظر التي يتبناها أصحاب النهج المعياري أو ما يُعرف بالعولمة، والذي يقف بشكلٍ واضح ضد مصلحة الطبقة العاملة في البلدان النامية، فعلى سبيل المثال كان الهدف من انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي التوصل إلى تسوية تضمن حقوق الطبقة العاملة وتحمي مصالح موظفي البنوك والصناعيين، وزيادة الصادرات البريطانية في بقية دول الاتحاد الأوروبي عبر التجارة الحرة، ولكن النتيجة كانت قيام الطبقة العاملة بالتصويت بأغلبية ساحقة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، لأن دخول بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي وإلغاء الاتفاق المتعلق بمراقبة الحدود الداخلية بين أعضاء دول الاتحاد الأوروبي جاء بنتيجة عكسية، حيث غزت اليد العاملة الرخيصة في وسط وشرقي أوروبا الأسواق في أوروبا الغربية، مما أدى إلى تدني أجور العمال البريطانيين وأصبح من الصعب عليهم إيجاد فرص عمل، لأن هؤلاء المهاجرين قادرون على القيام بهذا العمل نفسه، ولكن بأجورٍ أقل، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى البطالة بين العمال البريطانيين مما عزّز مشاعر السخط على الاتحاد الأوروبي.