ثقافةصحيفة البعث

الفنانون الشعبيون مكرمون من وزارة الثقافة

لفتة مهمة قامت بها وزارة الثقافة مؤخرا، وهي تكريم العديد من الفنانين السوريين الشعبيين في دار الأوبرا حيث قاموا أخيرا بالغناء فوق هذا المسرح، بعد تجاهلهم طويلا لهم.

الفنانون الذين يعرفهم الكثير من جمهور السميعة في سورية، ويحبون ما يقدموه من لون غنائي مدهش، كفن العتابا أو الأغنية الشعبية، التي يقدمها بعض الفنانين السوريين الحقيقيين، ولها مالها من شعبية بين الناس، تخبر أنهم أكثر بكثير من كونهم ظاهرة تصنعها الشاشات الفضائية المحلية منها والعربية، فوصف الفنان بـ(الفنان الشعبي) لا يقلل من قيمته كفنان، ولا من أهمية هذا الفن،ولا من قيمة من يقدموه بحرفية وأصالة باتت نادرة اليوم في هذا الفن، حالها في ذلك كحال الذين يقدمونه على أصوله، وهم قلة إن لم يكونوا نادرين من أسف.

هؤلاء الفنانون لا تعرفهم برامجنا الفنية المتعددة،تلك الموزعة على عدة شاشات محلية،والتي قدمت غير مرة العديد من الضيوف الذين لا يجيدون ما ظهروا على الشاشة لتقديمه، وبالتأكيد كما سبق وأكدنا بأن هذا التكريم لفتة كريمة وعلى الطريق الصحيح في نشر الوعي الفني بين أجيال لا تقدّر هذا الفن لأسباب عديدة، منها تشويهه من قبل بعض (النجوم) الذين يدعون أنهم يقدموه، وهي أي “اللفتة”، حتى لو أنها جاءت متأخرة قليلا، نسبة إلى الشعبية الكبيرة التي يحظى أولئك الفنانون بها في مجتمعهم، ولكن أن تصل متأخرا، خير من ألا تصل ابدا، وتم منحهم درع تكريم، وذلك لجهودهم في خدمة الغناء السوري.

من الفنانين المكرمين عادل خضور، هذا الفنان ذو القيمة الفنية العالية والشعبية الواسعة التي تقدّره من جمهور المستمعين لا النظارة، ومن الفنانين المكرمين أيضا بذات الدرع، الفنان بسام بيطار، المطرب صاحب الصوت الجبلي الرجولي، الذي يذكر بالفنان الراحل فؤاد غازي، الذي كان ولا يزال علامة فارقة في الغناء السوري، وهو أي الفنان بسام، من أكبر المعجبين بهذا المغني، وكان البيطار قدم في بداياته الفنية، العديد من أغانيه ومواويله الهادرة كما الشلالات والصافية كما الينبوع، وصار صاحب شعبية متزايدة له وللفن الذي يقدمه،عدا عن جماهيرية كبيرة في الشارع السوري عموما، نظرا لجمال الأغاني التي يغنيها، سواء كانت من الفلكلور السوري الذي قام وخضور وغيرهم بإحياء العديد من أنواعه في مختلف ثقافاتنا المحلية، حيث قدم كل منهما العديد من الأغاني الفلكلورية السورية البديعة والمتنوعة حسب بيئتها المحلية والخصبة، من حوران إلى حمص فحلب ودير الزور، وغيرها من البيئات، أو من أغانيهم الشخصية ببساطتها وجمالها الذي يدخل القلوب دون استئذان، إضافة إلى قدرتها الولوج لمكامن النفس، فتنتشي منها، وماذا يريد السميع من المغني، إلا أن تتحرك مشاعره بأنواعها عندما يستمع إليه؟

الحقيقة أن هذين الفنانين لم يهرولا نحو نجومية مصطنعة كما فعل غيرهم، ولم يتنازلا عن تقديم فنهما الذي يعشقان كما يجب، فهما يدركان أن النجومية بجوهرها الحقيقي للفنان الحقيقي، هي بين أهلهم وناسهم فوق كافة الجغرافيا السورية، حيث تتردد أغانيهما في شاشاتنا المحلية، ولكن على لسان غيرهم ممن يعتقدون أنهم أهل لهذا الفن، والذي تحول عند مقلديه من “هيهات با بو الزلف” و”الميجنا” إلى “نطوا جنوا”، الحال الذي ظهر عليه هذا الفن السوري الخاص، بسبب الصورة المشوهة التي عبث فيها مقلدوه، وهو بريء -أي هذا الفن- ومن تقديمه بالصورة المسخ التي ظهر عليها، بعد أن تم تغييب أهم مغنيه عن الإعلام عموما.

فنانان لا تعرفهما الويكيبيديا، التي تقوم عادة بكتابة أي شيء عن الفنانين، وغالبا هم من يقومون بكتابتها، فهذا الموقع الالكتروني يسمح لهم بذلك، ولكن إن وضعت اسمهم على محرك البحث غوغل، فستكون أمام مئات الخيارات الموجودة على اليوتيوب، والني تدل أعداد ونسب مشاهدتها وسماعها المرتفعة، على أنهم فنانين محبوبين من قبل أغلب السوريين وبعض الشعوب العربية أيضا، خصوصا وأنهم يغنون بصوت جهوري، جميل، ورائق كحال الفنانين (خضور والبيطار)، بما يقدمان من مواويل عتابا وأغان،تحرك الإحساس بالحجر، وذاك لما في صوتيهما من شجن وصفاء، رغم اختلاف طبقتيهما الصوتية.

والفنان بسام البيطار، المولود في مدينة القرداحة، حاله كحال الفنان خضور ابن قرية “أم الطيور” في ريف مصياف، هما من الفنانين الشعبيين الذين لا يعرفهم إعلامنا المرئي، ربما لأن لديه مواصفاته الصارمة والموضوعية، التي يجب أن تنطبق على الفنان حتى يظهر على شاشاته، خصوصا وأن هذا الفن –أي فن العتابا-يتم تقديمه اليوم للجمهور في العديد من المحطات الفضائية، من خلال (فنانين)، ليسوا أهلا لتقديمه على أصوله، فهو يحتاج لمواصفات خاصة، لا تمنحها الطبيعة إلا للقلة، وهي موجودة في طبيعة الصوت، لا في “اللوك” والفيديو كليب، وجمال الصبية التي تتمايل فيه، كما أنها لا توجد في الكلمات السطحية والممجوجة، التي نسمعها ونراها اليوم، سواء كان موال عتابا أو أغنية، من ذاك المؤدي أو غيره ممن لا يمتلكون المواصفات الصوتية الخاصة بهذا الفن، ما يجعلهم غير قادرين على تقديمه بأصوله،خصوصا وأن فن العتابا يقوم عدا عن الصوت الجميل والصافي، على الشعر القيم والمسكوب بقالب لغوي بالغ الرقة.

الخطوة التي وصفناها باللفتة الطيبة من وزارة الثقافة، تجاه العديد من الفنانين المحليين الكبار، والذين للأسف لا يحتفى بهم في شاشاتنا، وهذا آخر ما يعنيهم أي أولئك الفنانين، لأنهم يدركون قيمة فنهم عند الكثير من محبيهم، ويفضلون النجومية الطاغية التي يحظون بها بين جمهورهم، على نجومية شركات الاتصالات والبرامج الفنية، المعنية بـ “اللوك” أكثر من الصوت وما يُغنى به، نتمنى أن تنسحب على بقية أنواع الفنون، فالفنون هي ذاكرة الشعوب وخزانها الوجداني، وهي أكثر ما يعبر عن حال الشعوب، فالشعب الذي لا فنون لديه خارجة من بيئته الحقيقية، هو شعب بلا ذاكرة وبلا تاريخ.

تمّام علي بركات