ثقافةصحيفة البعث

“مدينة الله” في مشروع مبدع وناقد في مكتبة الأسد

 

أقيم في مكتبة الأسد بدمشق ندوة مشروع” مبدع وناقد” بمشاركة الناقد د. غسان غنيم وإدارة الأديب نذير جعفر ومشاركة د. حسن حميد وسط حضور ثقافي وسياسي بحضور د. نضال الصالح.

موسوعة سورية الكبرى

أدار الندوة الأديب نذير جعفر واستهلها بالحديث عن إصدارات الأديب حسن حميد الروائية والقصصية وفي مجال الدراسات والصحافة، مركزاً على قدرته الكبيرة على الاشتقاقات اللغوية وتوليداته الخاصة به، وعلى ابتكاره فنية التقنيات الروائية والقصصية، ليصفه بموسوعة الحياة الفلسطينية بكل ما تحمله من نضال وقصص المخيمات والنسوة الحزينات، متمنياً أن يأتي اليوم الذي يمشي فيه في شوارع   القدس كأنه ابنها من خلال ما خطّه حميد في رواية مدينة الله، كما مشى في شوارع القاهرة كأنه ابنها من خلال ما كتبه نجيب محفوظ.

ذاكرة مقروءة

“مدينة الله” رواية كُتبت بحبر القلب وتوسدت أسلوب الرسائل المتضمنة أحداث القصة بين شخصيتين، الراوي والآخر الغائب بين فلاديمير الروسي العاشق لكل ما شاهده في القدس وصديقه جو الإنكليزي، رواية تحدد مقولتها بمقولة فلاديمير”نحن شركاء في المكان” والذي مثل العين الحيادية التي تصوّر عذابات الفلسطينيين من البغالة. هكذا بدأ الناقد د. غسان غنيم رؤيته النقدية والتحليلية لهذه الرواية التي كتبها حميد بحذر وبحيادية مقترباً من الواقع الخاضع للتغييرات، فتابع غنيم عن أرض السلام الطيبة التي مشى فيها الأنبياء أرض المحبة، لتتقاسم الرواية ترسيمتان تؤديان إلى اتجاه واحد، سائح محايد يتقرى أرض فلسطين ممثلة بالقدس ويدهش لكل ما يراه فيها، ويصوّر الكلاب الشرسة والبغالة الممثلين بالصهاينة، ليتوقف عند الخاصية الأهم بالرواية وهي أنها موسوعة لكل ما له علاقة بأرض فلسطين من حيث كل مظاهر الطبيعة والحياة الاجتماعية وجغرافية المكان، فدخلت الرواية عوالم المنمنمات الصغيرة، وبيّن د. غنيم بأن حميد لم يدخل هذه العوالم مجاناً وإنما أراد أن تكون روايته ذاكرة مقروءة لكل الأجيال القادمة، لكن كل هذا الجمال الذي وصفه حميد بصوت محايد وغريب يكسره الصهاينة بكل أساليب القسوة التي تجذرت بهم، لينتقل إلى خاصية التكرار الذي وظّفه أيضاً حميد لتثبيت الذاكرة.

أما الترسيمة الثانية الرديفة في الرواية فهي غطرسة الصهاينة”وحين رفعنا نظرنا، رأينا حشداً من البغال، والبغالة يتقدمون من الجهة المقابلة، يسدون الدرب علينا، ويطلبون منا العودة والاستدارة والابتعاد عن المكان”.

ومن ثم ينتقل المحاضر إلى الشخصيات اليهودية المساندة للشخصيتين الأساسيتين سيلفيا اليهودية التي أحبها فلاديمير، وليلى حبيبة جو، السجانتان الصهيونيتان، لتكتمل الصورة مع أم هارون التي تمثل الجيل الأكبر وتنتمي إلى المقولات الصهيونية، إلى البغالة الذين لاتوجد لهم سمات واضحة سوى ملامح الصهاينة، ليحلل حميد الشخصية الصهيونية الخائفة المأزومة التي لاتعيش حياة طبيعية بوجه واحد، وليدخل بدرامية شخصية سيلفيا السجانة التي تمارس العذاب على الفلسطينيين في الصباح لتظهر شخصية عارف ياسين، وفي المساء هي عاشقة تفيض رقة وتسح بدموعها، فيتوقف د. غنيم مطوّلاً عند خاصية ادعاء الصهاينة ما ليس لهم أصلاً، حينما يترك حميد القدر يتحكم بمصائر الصهاينة ويقرر النهاية دون أي فعل إرادي من العرب، تماشياً مع معطيات الواقع الراهن وإشارة إلى أن ميزان القوة ليس أبدياً وقد يتغير، فوجود الصهاينة لن يستمر بإيحاءات خفية أرادها حميد من خلال موت ليلى الفجائعي حينما يتمزق جسدها على صخور القدس، وانتحار سيلفيا وموت أم هارون التي تمثل مقولات الصهاينة وكل ما تحمله من أفكار تفنى.  وإضافة إلى الشخصيات الصهيونية تحدث د. غنيم عن بعض الشخصيات العربية وعن الحي الأرمني إيماءة إلى تعدد الطوائف فيها وبأنها جنة الله.

رواية المكان

ومن الشخصيات إلى المكان فكما ذكر د. غنيم جعل حميد المكان السيد المطلق ووظّف كل العناصر الأخرى لإظهار عظمته وسموه، فشغل الوصف المساحة الأكبر من الرواية للمكان”الحجارة الصوانية ذات البياض المشتق من الحمرة القانية، إلى مدخل الحي تماماً قوس حجرية عالية، تحيط بها واجهتان حجريتان أماميتان أيضاً”، إضافة إلى الأسواق والعطور والنساء بألبستهن المطرزة للبيوت ورائحة القهوة التي تنبعث منها، والحلويات إلى المداخل النظيفة والنباتات” ليدخل د. حميد بتفاصيل المكان لكنيسة القيامة وقبة الصخرة، وأشياء كثيرة حتى يخال للقارئ أنه يقرأ من أدب الرحلات وليس رواية، مما جعل د. غنيم يسأل د. حميد مستغرباً هل زرت القدس..؟

ومما طرحه د. غنيم أن الوصف أدخل القارئ إلى حالة إيقاعية وأن الوصف قد أبطأ الحدث بل جمده أحياناً، ويعزو غنيم ذلك إلى تأكيد حميد على التوثيق ليخلص إلى أن حميد يمضي نحو اتجاه الرواية الجديدة نحو الوصف وتحطيم الشخصيات.

ويؤكد المحاضر ما قاله الأديب نذير جعفر بأن هذه الرواية توصل رسالة حميد للعالم من خلال الترجمة، بتوقفه عند نمط الخطاب الموجه للآخر، فالاعتياد اللغوي أن نقول”أجزاء من القرآن الكريم” ووردت في الرواية أجزاء من القرآن، كما تحدث عن استعمالاته غير المألوفة مثل” يضاففها ويواقفه ونتقاود، وباستخدامه مفردة “البطرسبورغيات” المؤلفة من ثلاثة عشر حرفاً، لينهي د. غنيم رؤيته النقدية بأن الرواية أغنية القدس الذاكرة المكتوبة للتناقض بين شعب يريد أن يعيش على أرض أجداده، وبين شعب يغتصب أرضاً يدعي أنها له.

دربي إليك

وتحدث د. حسن حميد عن حلمه بالكتابة عن القدس التي رآها بقلبه مسترجعاً أيام كتابته الرسائل في عام 2005، وعائداً بذاكرته إلى ما عاشه من حرمان وعذابات مع الفلسطينيين في المخيمات، وباعترافه الشفيف”أعترف بأن كتاباتي كلها لم تكن سوى عتبة أولى لكي أصعد لمعاني الكتابة عن القدس، وأن ما انحنيتُ لأجله كان لأخطّ دربي الناحل إليها”.

مسرحية مونودراما

وتركزت المداخلات على أهمية وصف المكان فأشاد الأديب رياض طبرة بوصف د. حميد للكنائس والأديرة ودرب الآلام، في حين رأى الأديب محمد عادل بأن حميد كتب عن القدس وكأنه يكتب عن دمشق، ورأى محمد باقي أنها رواية الاشتغال على المكان، وركز د. عاطف بطرس على أن المكان أساس الدولة، ليقول السياسي محمد البحيصي: الصهاينة لن يستطيعوا أن يأخذوا أحلامنا. والأمر اللافت أن د. حسن حميد وعد الفنان القدير الذي حضر الندوة عبد الرحمن أبو القاسم بأنه سيحول الرواية إلى مسرحية منودراما يجسدها أبو القاسم على المسرح.

ملده شويكاني