زواياصحيفة البعثمحليات

مسالك التنمية الإدارية؟!

من يطلع على مسودة مشروع “حق الوصول إلى المعلومة” الذي تعده وزارة التنمية الإدارية تنتابه نوبة الذهول التي بدت على  بطلة قصة ” أليس في بلاد العجائب” التي دخلت إلى عالم كل شيء فيه بالمقلوب، وبدلاً من التقدم إلى الأمام كما يقول المنطق وتتطلب الظروف والتطلعات، نرى أن الوزارة تنزلق إلى الوراء بقوة، فمحاولاتها لانتزاع الإنجاز من السراب تغوص في بحر المصطلحات العلمية التي لم يعرف بعد مدى نجاح إسقاطاتها التنفيذية على الواقع المؤسساتي العالق إلى الآن في شرانق الدورات التدريبية (التنظير)، هذا عدا عن أن الوزارة أغرقت نفسها في كومة من المسودات التي زادت من الحمولات المعطلة والأعباء على شبكات عملها وكأنها تحاول تقليد وزارة الكهرباء التي ترمي المسؤولية على “الحمولات الزائدة”.

وبالعودة إلى مسودة المشروع التي تنشغل الوزارة بمناقشتها نجد أنها لم تكلف نفسها سوى عناء الدخول إلى غوغل و”اللطش” من تجارب الدول في هذا المجال وإسقاطها على الواقع المحلي بطريقة (الاستسهال)، وطبعاً ندرك تماماً أهمية القوننة كخطوة لتحقيق الإصلاح، ولكن ذلك لا يعني إضافة مصفوفات ورقية فقط، فما ورد في المشروع مجتزء من قوانين مطبقة في بلدان أخرى وهذا ليس بخطأ، إلا أنه يحمل بعض التناقضات مع الواقع، فالمعلومات التي تضمنتها مواد المشروع متاحة عبر مواقع المؤسسات لفتح قنوات تواصل مع المواطن وإشراكه في صناعة القرار عبر نشر المعلومات وطرحها للمناقشة، وهذا ينضوي ضمن مشروع الحكومة الإلكترونية أيضاً، وهنا نسأل هل الإصلاح الذي تسعى إليه الوزارة يكون بإضافة المزيد من التعقيدات والروتين المتمثل بطلبات الحصول على المعلومة والانتظار لمدة خمسة عشر يوماً للحصول على الإجابة؟وهذا ما يمكن فهمه وترجمته بأنها تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإقناع الرأي العام بعملها عبر جملة من مشاريع القوانين الموجودة أصلاً، في حين أن كل ما تقوم به هو بعض التوصيفات والتسميات ومناقشتها مع جهات أخرى، أي تلعب في الوقت الضائع دون إضافات حقيقية.؟

كما تغفل مسودة مشروع القانون دور الإعلام وكيفية التعامل مع المعلومات التي يحتاجها ولم تأتِ على ذكرها، هذا عدا عن التكرار في مواد القانون، فمثلاً الحالات التي استثناها تندرج بغالبيتها ضمن الأمن الوطني، وهناك تعاميم سابقة صادرة عن رئاسة مجلس الوزراء حددت ما يسمح تدواله ونشره من معلومات، ولن ننسى هنا أن صياغة مواد  المشروع بهذا الشكل وبلغة ضعيفة ومبهمة من حيث القصد والهدف لا يحقق الغاية، وستدخل من جديد في متاهة التفسيرات الخاطئة.

وباختصار شديد مسودة القانون لا تلبي الطموح، وتحتاج إلى إعادة النظر فيها كونها بدون مسلك واضح، هذا إذا أردنا فعلاً أن نضمن هذا الحق وأن ننجز مشروعاً حضارياً يلبي ويواكب المشروع الإصلاحي في بلدنا، ومن باب النصيحة المواطن اليوم بحاجة إلى التبسيط وتقديم المعلومة المباشرة وعدم الدوران في الحلقات المفرغة، ومع احترامنا لكل الجهود المبذولة، إلا أنها  لم تضف بمخرجاتها تحت أي مسمى أي جديد على البنية الإدارية والتشريعية المؤسساتية، ولم تقتحم بعد مكاتب الفساد التي تعمل في مضمار تصريحات الوزارة (أن عدم الفهم لمحتوى مشروع الإصلاح الإداري يرجع إلى أنه جديد يمر بمرحلة التأسيس لا يلحظها سوى المعنيين).

بشير فرزان