الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

ممدوح قشلان في صالة كامل

 

افتتح في صالة كامل للفنون الجميلة معرض الفنان التشكيلي المخضرم ممدوح قشلان صاحب التجربة الفنية والتربوية الطويلة، فقد بدأت من نهاية خمسينيات القرن الماضي بعد عودته من إيطاليا، حيث أوفد هو والفنان محمود حماد وأثناء دراسته فيها أنجز عددا من المعارض التي تتابعت لاحقا في العديد من العواصم العالمية، فحمل سوريته الجميلة وجسدها مشرقة ملونة في أعماله، ورسم دمشق بألوانها المشرقة وفلاحات الغوطة بأزيائهن المعروفة وأنتج بتقنية الحفر العديد من اللوحات، والمميز في أعماله بذاخة الألوان وإشراقها فضلا عن تقسيم اللوحة إلى جزئيات متدرجة من اللون حتى يخال للرائي أن هناك موشورا بين عين الفنان والمشهد، هذا التحليل للون والحكاية جعل من لوحة قشلان الفسيفسائية الراصدة والمعبرة المجسدة عن المكان والمدينة والإنسان، فالمرأة العنصر الهام في مواضيعه الإنسانية رسمها في حوارية الحامل مع مثيلاتها من النسوة الحوامل بالخير والبشارة “لوحة حوار الحبالى” حتى المدينة ذات الشوارع الضيقة ببيوتها المتلاصقة والحميمية وجدرانها وسطوحها الملونة تحت الشمس الدافئة جعلت المشاهد يشعر بحرارة المكان ولطفه، إنها دمشق الوارفة بدلالها تتجسد على قماشة الفنان زاهية نظيفة وحميمية “لوحة دمشق حب لا ينتهي”.
وفي موضوع عرفاني آخر في جانب من المعرض “لوحة الميلوية” تتآخى أذرع الدراويش وتتعانق مع الرجاء والبياض مرتفعة إلى سماء اليقين والعطاء، تتجلى روح التأليف التشكيلي من لون وخط وتكوين في هذه الأعمال، مثلما تتجلى روحية الفنان ولهجة الابتهال في الصورة, فممدوح قشلان ينتمي إلى بيئته انتماء عميقا، منها ينهل مواضيعه ومن لغتها البصرية ولونها يمزج ويؤلف ويقدم اللوحة التي يؤمن بدورها: “واجبي كفنان إنجاز لوحة تمثل الوجه الجميل لسورية” وبالفعل تحولت لوحة قشلان إلى بطاقة تعريف بصرية لمكان أثير يحبه العالم وينظر إليه بشوق ومحبة فقد كتب في ذلك الراحل عفيف بهنسي: “إنّ قشلان كان وما زال صادقاً مع حدسه الفني، ولم يحدّ هذا الارتباط من انتمائه لجذوره الثقافية والاجتماعية، وبذلك كوَّن فناً ارتضى الشرق والغرب، ففي الشرق يرى المتلقي ذاته وبيئته صريحة في أعماله، وفي الغرب يرى المتلقي عالماً يشبع فضوله ومعرفته لجماليته”.
هذا المعرض هو رسالة لونية يعبر عن حقيقة الفن التشكيلي السوري الأصيل وعن نبل مواضيعه وعمق هويته ومحليته، وحسبي أن تجارب التغريب التي مست المشهد التشكيلي السوري عليها أن تتوقف وتتأمل مليا علها تستطيع البناء انطلاقا من هذه القيم، فلن نكون عالميين إذا لم ننطلق من محليتنا الجميلة الملهمة والمبدعة.
أكسم طلاع