الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

علاقات ونظرة

عبد الكريم النّاعم

ثمّة نظرة، تستدعي التوقّف، وقد اعتمدها بعض الكتاب، والجماعات الماضويّة، وهي المتعلّقة بمسيرة التاريخ، والتي يبرز فيها السؤال التالي: “هل نحن في زمن يتقدّم إلى الأمام باضطراد، كما ترى بعض الفلسفات، أم أنّ ثمّة زمناً يُعتبَر هو الأصفى، والأنقى، وما يتلوه من الأزمنة يزداد عكرا، تماما كالأنهار، فهي ساقية عند النّبع، ويلحق بها الكثير من العَكَر كلّما ابتعدتْ عنه؟.

نظرة الزمن الأصفى يبدو أنّ لها أساسا ما في تاريخنا، وأكتفي بشاهد واحد هو “الشعبيّ”، وهو راوية من التابعين، ويُضرَب المثل بحفظه، وكان رسول عبد الملك بن مروان إلى الرّوم، وهو من المعدودين من رجالات الحديث، وكان فقيها شاعرا، كما تقول المصادر،.. “الشعبيّ” يقول عن زمنه، وفي وصف الأزمنة القادمة: “تعاشرّ النّاس زماناً بالدّين والتّقوى والصلاح، ثمّ رُفِع ذلك، فتعاشروا بالحياء والتّذمّم، ثمّ رُفِع ذلك، فما يتعاشر النّاس إلاّ بالرّغبة والرّهبة”، ثمّ قال: “وأظنّه سيجيء ماهو شرّ من هذا”، وبغضّ النّظر عمّا قاله “الشعبيّ”، فإنّ زمن الخراب الذي مرّ بنا يُصنّف في خانة “ماهو شرّ من ذلك”.

لعلّ مَن يتساءل: “أبعدَ كلّ هذا التقدّم الذي حقّقتْه البشريّة، بما فيه من منجزات في الآداب، والعلوم، والتكنولوجيا، وبما ينطوي عليه من احتمالات، أوَبعد هذا كلّه يمكن أن يُوضَع  في خانة الشرّ؟!.

إنّ التقدّم الذي أشرنا إليه؛ حين ندقّق فيه، نجد أنّ بعض منجزاته خاصّ بما يُسمى الدّول المتقدّمة، والتي وفّرت لأبناء مجتمعاتها ديمقراطية، وسيادة قانون، وحياة كريمة، وحريّة من نوع خاص بها، ولكنّ ذلك كان على حساب نهب الشعوب الفقيرة، المُستضعَفة، فخسرت بذلك رسالة أن تكون كونيّة تشمل جميع أبناء الجنس البشريّ، كما أنّها سبّبت من التلوّث المخيف على ظهر هذا الكوكب، بستان الله الذي أسكنه فيه، ما يثير العميق من المخاوف، ولا شكّ أنّها ستحصد الكثير من نتائج تلك التلوّثات التي شملت البحار، والهواء، عدا ما في مجتمعاتها من ثغرات أخلاقيّة هي في بعضها ليست من روح احترام كرامة الإنسان، واستبدلت ذلك بحريّات أخرى تجعل الإنسان فيها أكثر غرقا على المستوى النفسي، والروحي، ولقد صار من المعلوم أنّ نسبة الانتحار في البلدان المسمّاة متقدّمة هي أعلى نسبة في العالم، هنا يبدو حجم المعضلة المركَّبَة في بلدان العالم الطّامحة للتقدّم، ولا أعني مواقع العروش، فهي في الغالب مسيطَر عليها من قبل حكّامها بطريقة كاتمة للأنفاس، إلاّ ما قلّ، ممّا يُباح بمقدار شريطة ألاّ يهدّد العرش، كما أنّها محشورة في المواقع التي تجعل منها حقل تجارب ناجع للدوائر الاستخباريّة، ومراكز التخطيط الكبرى للإبقاء على حالة من الجمود، أو مفاجأتها بما هو أسوأ، كما حدث في الخراب العربي، الذي قاده الحلف الصهيوأعرابي، فهل ثمّة من أمل في الخروج؟!.

أنا لستُ متشائما، ولكنّني قلق من الكثير من المجريات التي رافقت التصدّي للمشروع الصهيوأعرابي، بما خلّفه من آثار مهولة، تحتاج إلى جهود على درجة خارقة للخروج ممّا أوصلونا إليه، وكنّا في بعض المقاطع عوناً له على ذلك، من حيث أردنا، أو من حيث لم نُرد.

هنا أسمح لنفسي بالتذكير بواحد من أهمّ المسلَمات، وهي البدء من التّربية والتعليم، فيوم كان هذا القطاع على درجة (مقبولة) في ستينيات القرن الماضي وما قبْلها، كانت ثورة آذار 1963، وحين أهملنا هذا القطاع كانت الاختراقات التي نفذ منها الأعداء المتربّصون.

إنّ البشريّة، في بعض ما أنجزته تتخطّى ما كانت فيه جزئياً على الأقلّ، ولا بدّ من الإصرار على بلوغ الأهداف المشروعة، الخيّرة، الإنسانية، العادلة، وعلى رأسها في منطقتنا محاربة المشروع الصهيوني بتحالفه الأعرابي الجديد القديم، والعدالة الاجتماعيّة، والعمل على كلّ ما يساعد على تفتّح إمكانيّة الإنسان الخلاّقة.

aaalnaem@gmail.com