دراساتصحيفة البعث

ما هي الأهداف المرسومة حالياً للقوات الأمريكية في العراق

 

د. رحيم هادي الشمخي

احتلت القوات الأمريكية وحلفاؤها العراق عام 2003 بأعذار واهية، ولم تجد في العراق قنبلة ذرية ولا أسلحة كيماوية ولا أي نوع من الأسلحة المحرمة دولياً، الجرثومية وغير الجرثومية. قامت أمريكا وحلفاؤها بإحراق كل معالم الحضارة، بما فيها منجزات العراقيين التي بنوها منذ فجر التاريخ عبر سبعة آلاف قبل الميلاد، في الثقافة والعلم والمعرفة.

واليوم كما البارحة، فقد أرسل ترامب قواته المحمولة جواً وبراً إلى العراق في سابقة خطيرة لاحتلال العراق مرة أخرى رغم وجود اتفاقية أمنية بين العراق وأمريكا بانسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011 في عهد الرئيس السابق (أوباما)، وهذا ما يذكّرنا بأن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة قد اعتمدت أدواراً جديدة وواضحة ضمن توجّه واشنطن في الشرق الأوسط للسيطرة على آبار النفط العراقية، وبناء قواعد عسكرية أمريكية، وهذا ما فعلته القواعد العسكرية المنتشرة في العراق والتي بلغ عددها /12/ قاعدة يقطن فيها /16/ ألف جندي أمريكي، بما فيها قاعدة (عين الأسد) غربي محافظة الأنبار، والتي أصبحت من القواعد المهمّة، وهي محطّ رحال ترامب في زيارته الأخيرة السرية للعراق.

إن هدف وجود القواعد الأمريكية في العراق بعد انسحابها عام 2011 منه، يعني أن هناك تغييراً جذرياً في السياسة الأمريكية بخصوص هذا البلد الذي وقف ضد انتهاكات أمريكا لحقوق الإنسان فيه بالدرجة الأولى كما وثقتها الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية بأن احتلال أمريكا الأول للعراق في عهد جورج بوش الابن مجرد مسرحية سياسية خدمة لـ”إسرائيل” وعرب الجنسية المتحالفين مع الصهاينة، ويأتي هذا الاحتلال الثاني حالياً بأهداف جديدة، أهمها الوجود الأمريكي على الحدود السورية- العراقية، ولاسيما بعد انسحاب أمريكا من سورية وهي تحمل ثياب الذلّ والخيبة نتيجة إصرار الجيش العربي السوري على المواجهة الحتمية وتحرير كامل التراب العربي السوري من جميع القوات المحتلة، وقد استطاعت القوات الأمريكية أن تبني قاعدتين على الحدود لضمان وجود الحركات الإرهابية في سورية.

أما الهدف الآخر لوجود القوات الأمريكية في العراق حالياً فهو منع الجارة إيران من تنفيذ المعاهدات والاتفاقيات الاقتصادية مع العراق في ضوء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، كما تهدف أمريكا إلى استخدام الثروة والطاقة لمصلحتها، وخروج أمريكا من العراق يعني فقدان الحصة الأمريكية في القراءة العراقية ومنطقة الشرق الأوسط عموماً، إلى جانب خوف أمريكا من تأثير روسيا والصين في المنطقة كدولتين عملاقتين تعملان بالند ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

ولابدّ لنا من وقفة في هذا السياق لنتذكر عمق الأطماع الأمريكية في المنطقة العربية، فقبل عشرة أعوام من الآن وقف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على مسرح جامعة القاهرة معلناً خطط أمريكا حول الشرق الأوسط، كان الخطاب موجهاً للعالمين العربي والإسلامي، دعا فيه أوباما إلى إطلاق الحريات والانسحاب التدريجي من المنطقة، والانتقال إلى آسيا والمحيط الهادي.

ولكن بعد استلام ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية وزيارته لقاعدة (عين الأسد) في العراق مؤخراً، تغيّرت مفاهيم وأفكار السياسة الأمريكية لنرى وزير خارجيته بومبيو يقف في الجامعة الأمريكية في القاهرة ليعلن عن ماهية هذه الأفكار الجديدة في ضوء المرحلة الجديدة وتبيّن من خلال خطابه، بأن أمريكا تقوم على إصلاح ما أفسده الرئيس السابق أوباما، وتضمن هذا الخطاب: أولاً التخلي عن سياسة التردّد تجاه الأعداء والمخاطر الظاهرة والباطنة، وثانياً: أن إيران هي العدو المشترك الأول لدول المنطقة كما يدّعي، وثالثاً: دعم عملية تعزيز التقارب الحاصل بين دول الخليج العربية و”إسرائيل”، ورابعاً: دعم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخامساً: يلخص الدور الأمريكي بجملة واحدة فيقول “إنها قوة من أجل الخير في الشرق الأوسط”.

ولهذا يتبيّن من هذا الخطاب الأمريكي أن المرحلة القادمة في نظر الولايات المتحدة الأمريكية تقوم على إنهاء الصراع العربي- الصهيوني منذ احتلال فلسطين عام 1948 ومسح الحروب العربية ضد الكيان الصهيوني، وتكليف الأنظمة العربية الصديقة لهذا الكيان بالتطبيع لإنهاء الصراعات القديمة معها، كما أن المصلحة الأمريكية الجديدة تتطلّب عدم التركيز على المطالبة بحقوق الشعب العربي الفلسطيني وعودة اللاجئين إلى ديارهم الشرعية، أما المطالب الأخرى في المنطقة العربية فمن أهمها وأخطرها تأسيس تحالف شرق أوسطي هدفه مجابهة الأخطار المحدقة على أصدقاء أمريكا في المنطقة العربية والأكثر جديّة وخاصة إيران المستهدفة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، وهذا الجهد يجمع بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وبوجود الكيان الصهيوني الذي استطاع أن يهيمن على أقطار عربية ويتعاون معها اقتصادياً وثقافياً وعسكرياً، بوساطة زيارات مكوكية لمسؤولين إسرائيليين، أو حسب العرف الدبلوماسي المتّبع بين هؤلاء و”إسرائيل”.

إن انتشار القوات الأمريكية اليوم في العراق هو عدوان صارخ ومبيّت على الأراضي العراقية، حدث هذا العدوان بأمر من الرئيس الأمريكي ترامب عندما سحبت أمريكا بعض جنودها المنهزمين من سورية، حيث تمّ إرسال عشر فرق عسكرية مدرعة من المارينز إلى الموصل وأربيل وكركوك وبيجي في محافظة صلاح الدين، وحول بغداد، كما تمّ بناء قاعدتين عسكريتين على الحدود السورية- العراقية، ولا يزال تدفق الجنود الأمريكان مستمراً من الكويت باتجاه أربيل وقاعدة الحبانية، ومطار الشعيبية العسكري في محافظة البصرة، هذا ما يؤكد خطورة العدوان الأمريكي القادم على العراق، والهدف من ذلك ابتزاز ونهب ثروة العراق والسيطرة على آبار النفط العراقي بالقوة، وطمس هويته العربية، وتدمير ثقافته التي علّمت العالم أبجدية الحرف في بلاد وادي الرافدين.