دراساتصحيفة البعث

الكل يسخر من أحلام ولي العهد النووية

 

ترجمة: علاء العطار
عن “ذا نيويورك تايمز” 2/3/2019
كل يوم تذهلنا إدارة ترامب بقرار أغبى من سابقه، فهل تعتزم حقاً نقل التكنولوجيا النووية إلى دولة على رأسها طاغية أرعن لا يملك أي إحساس بالمسؤولية؟.. وهل خطر بذهن الإدارة أن من شأن ذلك أن يودي بالعالم إلى حافة الهاوية؟ لا يوجد مبرّر لقرار كهذا، حتى ولو كان الهدف تعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة عبر أي حليف كان، فكيف إذا كان هذا الحليف عرّاباً للوهابية؟!.
تسلّل جاريد كوشنر خلسة إلى السعودية هذا الأسبوع لعقد اجتماع مع ولي العهد محمد بن سلمان، والسؤال الذي يحاول الجميع الحصول على إجابة له من البيت الأبيض هو: هل ناقشا يا ترى المساعدة الأمريكية لبرنامج نووي سعودي؟.
من بين كل تعاملات إدارة ترامب الرعناء والمجردة من المبادئ في العامين الماضيين، فإن أكثرها إثارة للصدمة هي خطة ترامب لبيع مفاعلات نووية للسعودية التي قد تستخدمها لصناعة أسلحة نووية.
وحتى في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس ترامب نزع الأسلحة النووية من كوريا الديمقراطية، فربما يساعد في جعل السعودية دولة نووية، هذه سياسة بغيضة يلوثها تضارب مصالح هائل يشارك فيه كوشنر.
كانت أعمال شركة كوشنر العقارية تتأرجح بسبب حيازتها لعقار باهظ الثمن في مانهاتن باسم “666 فيفث آفينيو”، لكن في آب الماضي قامت شركة تُدعى “بروكفيلد آسيت مانجمنت” بإنقاذ شركة كوشنر عن طريق استئجارها تلك العقارات المضطربة لمدة 99 عاماً- ودفعت مقدماً مبلغاً إجمالياً يقدر بنحو 1.1 مليار دولار.
ويجب أن يُنذر هذا بخطر قريب، فشركة بروكفيلد تمتلك أيضاً شركة “ويستينغ هاوس الكتريك”، وهي شركة خدمات نووية تحاول بيع المفاعلات للسعودية، وهنا يتلاقى المستنقع السعودي بالمستنقع الأمريكي.
وقد تكون صراعات كهذه، إلى جانب صراعات أكثر ظلاماً، هي التي دفعت مسؤولي الاستخبارات الأمريكية إلى رفض إعطاء تصريح أمني بالغ السرية لكوشنر، وذكرت صحيفة “التايمز” أن ترامب ألغى قرارهم ليمنح كوشنر ذلك التصريح.
بدأت هذه الفوضى النووية وقت انتخاب ترامب، عندما وضعت مجموعة من مسؤولي الأمن القومي الأمريكيين المتقاعدين خطة لإثراء أنفسهم عبر بيع محطات للطاقة النووية للسعودية، وكان من بينهم مايكل فلين، مستشار ترامب للأمن القومي، وقاموا في البداية بتطوير “خطة لإنشاء 40 محطة للطاقة النووية” في السعودية، تبعاً لتقرير صادر عن لجنة الرقابة والإصلاح في مجلس النواب، ومن المزمع الشروع بتنفيذ الخطة ببناء بضع محطات في الوقت الحالي.
وإلى وقت قريب في 12 شباط الماضي، التقى ترامب في البيت الأبيض مع مناصرين للمشروع وكان من داعميه، بحسب وكالة رويترز.
وتزعم السعودية أنها محطات طاقة نووية مدنية، وأنها تريدها لتوليد الكهرباء، لكن السعوديين يصرّون على إنتاج وقود نووي بأنفسهم، بدل شرائه بأسعار أرخص من خارج البلاد، وإنتاج الوقود النووي هو طريقة نموذجية للدول المارقة لتحويل ذلك الوقود لبرامج أسلحة نووية بشكل سريّ، ومقاومة السعودية لإعطاء ضمانات ضد انتشار هذه الأسلحة تعزّز الشكوك بأن الهدف الحقيقي هو صناعة الرؤوس النووية.
ويبدو أن ردّ ترامب على الحالة السعودية هو: هناك أموال يجب جنيها!، وعندما اعترض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عملية النقل العام الماضي، قال موقع آكيوس الإخباري: “قال ترامب ومستشاروه لنتنياهو إنه إذا لم تبع الولايات المتحدة المفاعلات النووية للسعودية، فإن دولاً أخرى مثل روسيا أو فرنسا ستفعل ذلك”.
ويبدو أن ترامب يعتقد أن السعوديين وضعوه في معضلة صعبة: إذا لم يساعدهم في التكنولوجيا النووية، فإن شخصاً آخر سيفعل ذلك، وهذا اعتقاد يُخطئ في فهم العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، فالسعوديون يعتمدون على أمريكا من أجل أمنهم، والحقيقة الواضحة هي أن لدى أمريكا جميع الأوراق في هذه العلاقة، وليس لديهم منها شيء.
ولم تضع أمريكا الأمير محمد على مسار يوصلها إلى حيازة أسلحة نووية؟، وهو بالفعل أكثر زعيم ينشر الفوضى في منطقة متقلبة، فهو الذي غزا اليمن، وخطف رئيس الوزراء اللبناني، وأثار عداوة مع قطر، وطبقاً لمسؤولي الاستخبارات الأمريكية أمر بقتل جمال خاشقجي، الكاتب الصحفي في واشنطن بوست. كما سجن أيضاً المدافعين عن حقوق المرأة وعذّبهم بوحشية، بمن فيهم لجين الهذلول، تلك التي قد تفوز بجائزة نوبل للسلام، وكما أشار النائب براد شيرمان، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا، “دولة لا يمكن ائتمانها على منشار عظم لا يمكن ائتمانها على أسلحة نووية”.
لم يوضح البيت الأبيض ما إذا كان كوشنر قد ناقش المسألة النووية عندما التقى الأمير محمد قبل بضعة أيام، لكن السيناتور جيف ميركلي، وهو ديمقراطي من ولاية أوريغون قال: “سأصاب بالدهشة إن لم يحدث ذلك”، وإلى جانب أعضاء مجلس الشيوخ إد ماركي، وهو ديمقراطي من ولاية ماساتشوستس، وراند بول، وهو جمهوري من ولاية كنتاكي، أبدى ميركلي نيّته بمعارضة نقل التكنولوجيا النووية التي من شأنها السماح للسعودية ببناء أسلحة نووية.
وهناك عنصر آخر في سياسة ترامب تجاه السعودية، وهو عنصر يثير الاشمئزاز ببساطة: تملق أمير أجنبي قد تسبّب في اليمن بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، وقتل صحفياً وعذّب نشطاء حقوق المرأة، ويتضح إذعان البيت الأبيض في تفاخر الأمير بأن كوشنر “كالخاتم في إصبعه”.
لا أحد يعرف ما إذا كان الأمير محمد سينجح في أن يخلف والده ويصبح الملك المقبل، لأن هناك معارضة لذلك ولأن التحول الاقتصادي السعودي الذي يفخر به الأمير يواجه عقبات جمّة، ويبدو أن ترامب وكوشنر يحاولان بلا مسؤولية تعزيز إمكانات الأمير، ما يزيد من احتمال أن يسيء ذاك الأمير المتهور والمزاجي إدارة المملكة على مدى السنوات الخمسين المقبلة، كيف ولو كان بحوزته أسلحة نووية؟!.