زواياصحيفة البعثمحليات

الثورات الحقيقية

 

لست من جيل ثورة آذار عام 1963، ولم أشهد ذاك المخاض التاريخي الذي حول البلد إلى نواة لأنموذج تلمسناه فيما بعد، وعايشناه وغنمنا ثماره منذ تلك الحقبة إلى الآن، ولكن أعتبر نفسي بحكم العمر معاصراً لزمن بدء الإنجازات التي لاحت ملامحها بعد نحو عشر سنوات ما بعد الثورة المجيدة.
لم تك تجربة الثامن من آذار التي تحولت مع الأيام إلى نهج يمد القطاعات والميادين كافة بالعمل والإنتاج بحاجة لمزيد من الدعم وحتى التسويق؛ لأنها ليست عبارة عن حالة “شوفينية” جاهزة، بل الجدارة كانت بالخروج من رحم الواقع الذي تحرك على أساسه المجتمع للتغيير البناء والمعطاء والقائم على الإنجاز في كل شيء.
مع مر السنوات وقدوم أجيال جديدة متجددة لم تكن ثورة 8 آذار يوماً ما في خطر، ولم ينتب أحد أدنى تفكير بالخوف على ما صنعته اليد السورية وما فرخه العقل الوطني الذي يعرف تماماً أين تكمن الإرادة، وكيف توظف الحاجات الملحاحة ليولد الإبداع والاختراع. فما بناه وعمره الجد والأب واليوم الابن يعد ميراثاً وإرثاً يستميت ابن الوطن لحمايته والدفاع عنه؛ إذ لم تشهد أمة أن دمرها أبناؤها فهم حماة الديار وعليهم دائماً السلام.
لن ندخل في إطار الأدبيات الإيديولوجية عن مفهوم الثورة ومعانيها ودلالاتها وكيف تخرج من رحم الحاجات البشرية للنهوض نحو الأفضل، ولكن ثمة قناعة تامة عند السوريين أن مسير أكثر من أربعة عقود من البناء والإعمار والإنجازات التاريخية تؤهل صانعيها ووارثيها لتقديم دروس غير مسبوقة في تاريخ الثورات التي كان الرسل والأنبياء أرفع من قام بها لإنقاذ البشرية من لعنة الجهل والظلام والعبودية والحرمان.
في محراب آذار الثورة نتحدث عن بناء وطن بصناعته وزراعته وخدماته وتجارته وعمرانه، نتكلم عن مشوار متخم بالركائز والنشاطات والأعمال التي أسست لدولة لم تكن قائمة من قبل؛ فلم تعلمنا كتب الثورة غير عقيدة الإنتاج والعلم وتسخير العمل والفكر لكل ما هو في خدمة المجتمع، وليس شيئاً آخر غير ما فيه خير الحاضر والمستقبل، وهذا ما تشهد عليه المزارع والمصانع والحاضرات المدنية في المدن والقرى وخطوط النقل والتجارة عدا عن سجل حافل بالاستقرار السياسي المطعم بانتصارات توثقها وقائع تشرين التحرير والمقاومة، وانتهاء بخلق دولة كبرى في موازين المواقف والعلاقات الدولية والسياسية.
أمام تاريخ كهذا لا يمكن استيعاب ما يحاولون تسويقه اليوم على أنه “ثورات”، وهي أبعد ما تكون عن الكلمة فكراً وممارسة؛ لأن ما قدموه هو دمار وتخريب وحرق للفكر والبشر والحجر، أي المطلوب رأس الثورة الحقيقية التي استمات أبناء الوطن لصونها وحمايتها ليأتي الغريب ويحاول اغتصابها؛ لأن عدوانيته لا تستسيغ ثورة خير تعريهم على حقيقتهم.

علي بلال قاسم