دراساتصحيفة البعث

نوايا السعودية الخبيثة

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع نيو استرن اوتلوك 9/3/2019

لا تقتصر نيّة السعودية على تعميق علاقاتها الاقتصادية مع بعض الدول الآسيوية الكبرى، بل أيضاً على القيام بذلك بطريقة تشكّل منافسة مباشرة لإيران، التي تعتبر الدولة التقليدية المنافسة للسعودية في الشرق الأوسط، وهناك خطة أكبر لإنجاز ذلك، خطة لكسب موطئ قدم قويّ ومباشر في آسيا، ولاسيما على مفترق الطرق لطريق الحرير الجديد.

شهدت الأيام القليلة الماضية الزيارة الأولى لـ”محمد بن سلمان” إلى آسيا -باكستان والهند والصين- منذ تسلّمه مقاليد الحكم، وقد قدّم وعوداً بالاستثمار ترسل بإشارات تدلّ على توجه السعودية نحو توسيع اقتصادها عالمياً. وعلى الرغم من أن الدافع -جزئياً- لهذه الزيارة كان بسبب تجاهل الغرب لمحمد بن سلمان بعد حادث خاشقجي، فهناك المزيد مما يمكن قوله حول هذه الزيارة، فالاستثمارات التي تُقدّر بمليار دولار تؤكد أن الأمر ليس مجرد بحث عن “أصدقاء جدد” وإيجاد مخرج يحفظ له ماء الوجه. في صميمها تعتبر برهاناً عملياً لخطة محمد بن سلمان حول رؤيته لعام 2030، حيث يحتاج السعوديون إلى التوسّع من أجل تجنّب الهلاك الاقتصادي. لكن هذا التوسع الاقتصادي له بالتأكيد تداعياته الجغرافية الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بالموقف السعودي تجاه إيران في ذلك الجزء من آسيا، حيث يتمّ بناء خريطة جغرافية جديدة للتجارة والاقتصاد في الصين على شكل مبادرة الحزام والطريق والصندوق الشعبي للادخار والائتمان، وأكبر مشاريع الربط الأوروبية الآسيوية. في الواقع، يريد السعوديون إزاحة إيران من عدد من أسواق النفط آنفة الذكر. ويتجلّى ذلك من خلال سلسلة من مصافي تكرير النفط مع مجمعات البتروكيماويات التي وعدت السعودية ببنائها في الهند والصين وباكستان.

كانت نوايا محمد بن سلمان لتعميم خطته حول رؤية 2030 واضحة، عندما عرض على الصينيين المشاركة في هذا البرنامج الذي يركز أكثر على مصادر الطاقة المتجددة، والحدّ من اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط، ومن المؤكد أن القصد من ذلك هو إدماج الصينيين من أجل تأمين إمدادات أكبر من النفط السعودي لهم وبالتالي إزاحة إيران، وبالفعل قدّم السعوديون في بعض الأسواق الغربية، تخفيضات في الأسعار للعديد من عملاء إيران. ومن خلال القيام بالشيء ذاته للصينيين، يهدف السعوديون إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني، حيث تعدّ الصين أكبر مشتر للنفط الإيراني.

وحيث إن الطلب على النفط في الصين يبقى مرتفعاً بشكل دائم، فإن المنافسة بين إيران والسعودية في نهاية المطاف ستعود بالنفع على الصين، ليس فقط بالحصول على الأسعار التنافسية ولكن أيضاً على تنوع مصادر الإمدادات، لذا دخلت في اتفاق وهو عقد طاقة بقيمة 10 مليارات دولار مع السعوديين، وبموجبه ستقوم شركة النفط الحكومية “أرامكو” وشركة “نورينكو” الصينية ببناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات في مدينة بونجين في شمال شرق الصين. كما سيقوم السعوديون في باكستان ببناء مصفاة في ميناء جوادر ذي الأهمية الإستراتيجية. وبذلك، لن يقوم السعوديون فقط باستثمار كبير في ميناء رئيسي لـ CPEC، بل سيحرصون أيضاً على إبقاء باكستان خاضعةً للمعسكر السعودي، ما يعني أن علاقات باكستان القوية مع السعوديين ستعني علاقات سيئة مع إيران.

من الواضح أن إيران تشعر بأن التعاون مع باكستان، البلد الذي يسهل الوجود السعودي بالقرب من حدودها وموانئها، ربما يكون مجازفة صعبة للغاية حتى مع المساعدة الصينية، وهذا يعني أن وجود السعودية في هذا الجزء من آسيا لن يقتصر على تغيير أنماط السوق المتعلّقة بإمدادات النفط فحسب، بل أيضاً تشكيل السياسة الجغرافية إلى درجة أن بعض البلدان قد تصبح حبيسة للتنافس الدائم، وقد يبدأ البعض في إيجاد صعوبة بالغة بمواصلة التعاون بالطريقة نفسها التي اتبعوها في الماضي.

وفيما تناسب الفئة الأولى من الدول العلاقات الباكستانية الإيرانية، فإن الفئة الثانية تناسب العلاقات الهندية الإيرانية. لهذا فإن الاستثمار المشترك بين السعودية والإمارات العربية المتحدة في أكبر مصافي التكرير العالمية والمصانع البتروكيميائية في الهند، ليس إلا تعبيراً عن اهتمام سابق بتوسيع سوقها النفطية وإزاحة السوق الإيرانية. وفي ظل الوضع الراهن فإن أكثر من 50 في المائة من النفط القادم إلى هذه المصفاة سيكون من منشأ سعودي.

وهذا يعني أن السعودية ستحلّ محل إيران كمورد رئيسي للنفط إلى الهند. وكانت فعلياً -بسبب العقوبات الأمريكية– قد انخفضت واردات الهند من النفط الإيراني بشكل كبير، مما أجبر إيران على خفض مستواها من سلم أكبر الموردين إلى الهند. وفي الوقت الذي انخفضت فيه إمدادات النفط من إيران إلى الهند بنسبة 21 في المائة في تشرين الثاني وكانون الأول 2018، زادت إمدادات السعودية بنسبة 10 بالمائة تقريباً.