دراساتصحيفة البعث

البريكست في المرحلة النهائية

 

ترجمة: علاء العطار

عن “نيويوركر” 10/3/2019

لقد بلغت فكرة العالم الحر ذروتها خلال الحرب الباردة، وكانت المرة الأولى التي ظهرت فيها عبارة “زعيم العالم الحر” في صحيفة نيويورك تايمز عام 1948، ولكن الغريب لماذا استمر العالم في استخدام هذا المصطلح بعد أن أصبحت فكرته خارج السياق، وكيف يمكن للغرب الذي انتهت صلاحيته أن يقود عالماً لا وجود له؟!.

لا تزال المملكة المتحدة تدور في حلقة مفرغة حيال مسألة البريكست، ويبقى سياسيوها منقسمين حائرين دون التوصل لتسوية تُرضي جميع الأطراف، ما جعل الداخل والخارج في حالة من اللا يقين، ومستقبل البلاد غامضاً مشوشاً، لا يعرف أين سينتهي به المآل، وتتزايد الاقتراحات والعروض بشأن إيجاد حلّ، لكن الدولاب السياسي لم يرسُ على قرار إلى الآن.

من المقرّر أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 29/3/2019، لكن المملكة المتحدة غير جاهزة، والمشكلة أنه لم يتمّ الاتفاق على طريقة لإدارة علاقة المملكة المتحدة مع البلدان السبعة والعشرين في الاتحاد الأوروبي بعد البريكست، فالمملكة المتحدة كانت جزءاً من الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة، ما يجعل الأنواع العادية من الاتفاقيات التي تُبرمها البلدان مع بعضها البعض -بشأن التجارة والنقل والتأشيرات وحتى قوانين الملاحة الجوية ورخص القيادة- مفقودة.

والسبب وراء صعوبة حلّ المشكلة أن أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يتطلّب موافقة البرلمان، بيد أن الانقسام عميق داخل البرلمان حول ما يجب أن يبدو عليه البريكست، وحتى حول ما إذا كان يجب أن يحدث على الإطلاق، فقد مرّ الاستفتاء على البريكست في عام 2016 بنسبة أقل من 52٪ من الأصوات، كما يدور هناك سؤال كبير عن مستقبل الحدود بين إيرلندا الشمالية، وهي جزء من المملكة المتحدة، وجمهورية إيرلندا، وهي جزء من الاتحاد الأوروبي، وكيف يمكن أن يكون لدى المملكة المتحدة حدود خاضعة للمراقبة مع الاتحاد الأوروبي وتبقي حدودها مع إيرلندا “غير خاضعة للمراقبة”؟.

اقترحت رئيسة الوزراء تيريزا ماي اتفاقاً من شأنه إبقاء المملكة المتحدة مرتبطة جزئياً بالاتحاد الأوروبي إلى حين التوصل لحلّ بشأن إيرلندا، وفي كانون الثاني الماضي رفض البرلمان ذلك الاتفاق بهامش مائتين وثلاثين صوتاً.

وفيما يلي المسارات المتاحة:

1- يحدث البريكست مع صفقة: يوافق البرلمان على صفقة يمكن للاتحاد الأوروبي التعايش معها، ويتمّ البريكست بطريقة منظمة إلى حدّ ما.

2- البريكست دون صفقة: إن لم يستطع البرلمان إيجاد اتفاقية تعجبه مع الاتحاد الأوروبي ستكون المملكة المتحدة مجبرة على مغادرته في 29 آذار، ولكن بطريقة فوضوية، وهناك توقعات بحدوث نقص في الأدوية والسلع الأساسية الأخرى، وإن لم يتمّ القيام بأي شيء آخر، قد يصبح الملايين من الناس، والمقصود هم البريطانيون المقيمون في الاتحاد الأوروبي ومواطنو الاتحاد الأوروبي المقيمون في المملكة المتحدة، فجأة مقيمين بصورة غير شرعية.

3- إلغاء البريكست: هناك آلية قانونية للمملكة المتحدة لتلغي الأمر برمته. ومن الناحية السياسية، من المؤكد أن يتطلّب هذا استفتاء آخر أو أن يحدث اضطرابات في البرلمان، لكنه ليس أمراً مستبعداً.

4- تأجيل البريكست: يتمّ تمديد الموعد النهائي على أمل إبرام اتفاق أو إلغاء، قبل أن ينفد الوقت مرة أخرى.

بعد مرور عامين وتسعة أشهر على الاستفتاء، تبدأ المرحلة النهائية بسلسلة من الاقتراعات، سيعقد أولها في موعد أقصاه 12 آذار.

الصفقة الوحيدة التي تقدمها ماي هي في الأساس نفسها التي رفضها أعضاء البرلمان في كانون الثاني، وما زالوا لا يستسيغونها، فبعضهم يرى أنها ليست كافية للانفصال عن أوروبا، ويجدها بعضهم صعبة التنفيذ، وبعضهم يعترض على مسألة الحدود الإيرلندية، إذاً لِمَ قد يصوّت أعضاء البرلمان على ذلك الآن؟ في الغالب لأنهم قلقون حيال إلغاء البريكست أو إزاء أن يدمّر الخروج دون اتفاق اقتصاد البلاد، قد يعرض أعضاء البرلمان إجراء تعديلات، كتلك التي تتطلّب إجراء استفتاء على صفقة ماي، على أن يكون إلغاء البريكست هو الخيار البديل.

هل يرغب البرلمان بخروج دون اتفاق؟ من يريد ذلك؟ المتشدّدون من مناصري البريكست، أمثال: جاكوب ريس موغ وبوريس جونسون من حزب المحافظين، واللذان يبدو أنهما يفضّلان الفوضى على أي تأجيل أو إلغاء محتمل. أم هل يريد البرلمان تأجيلاً “قصيراً ومحدوداً” للبريكست؟.

إذا صوت البرلمان بالفعل ضد الصفقة الوحيدة المتاحة وخروج دون صفقة، فهذا هو الخيار العقلاني الوحيد المتبقي، إذاً لِمَ قد يصوّت أي شخص بالرفض؟ ربما ليحاول إجبار تيريزا ماي على الاستقالة، أو ربما لأن الساسة البريطانيين توقفوا عن التصرف بعقلانية، لكن تجدر الملاحظة أن التأجيل لن يكون تلقائياً، فيجب أن يوافق على ذلك كل بلد من أعضاء الاتحاد الأوروبي، وقد يطلب بعضهم تنازلات من المملكة المتحدة في المقابل.

ربما يجد البرلمان طريقة للتعايش مع صفقة ماي، أو مع نسخة معدّلة منه، أو مع صفقة يوافق عليها الاتحاد الأوروبي ورئيس وزراء آخر، أو سيتمّ إجراء استفتاء ثانٍ، لكن ستواجه المعضلات ذاتها: ماذا عن الحدود الإيرلندية؟ ما مدى التقارب بين المملكة المتحدة وأوروبا؟ هل كان البريكست فكرة فظيعة كان يُستحسن التخلي عنها؟ وعندما ينتهي التمديد، قد تطوف مرة أخرى فكرة خروجٍ دون صفقة، لكن لا يزال يتعيّن على المملكة المتحدة اتخاذ قرار.