ثقافةصحيفة البعث

غيبيات برسم العرافين

“اليوم سيكون حافلاً بالنشاط، قابل الناس بابتسامة، هناك مشروع ارتباط قريب” هي عبارات اعتدنا أن نسمعها يومياً عبر المحطات الإذاعية وشاشات التلفزة، منا من يتابعها عن قناعة ومنا من يفعل من باب التسلية، وهناك من يفعل ذلك مرغماً عندما يستقل إحدى وسائل النقل العامة ويكون السائق من عشاق معرفة الحظ والمستقبل، وهذا ما حدث معي في إحدى المرات عندما اتصلت إحدى المستمعات وهي طالبة في الثانوية معاتبة قارئة الحظ أو المنجمة أو عالمة الفلك التي بشرتها سابقاً بالنجاح والتفوق وهذا لم يحدث لأن  الرسوب كان قدرها، ومتصلة أخرى كانت تأمل بمشروع ارتباط تنبأت به الخبيرة الفلكية وهو الآخر لم يتحقق أيضاً، وهناك حالات كثيرة لشباب في مقتبل العمر ولأشخاص بالغين ونسبة لا يستهان بها منهم من المثقفين والحاصلين على درجات علمية عالية أصبحوا يبنون آمالهم وأحلامهم على كلمات تقال عبر أثير محطة إذاعية أو تلفزيونية هدفها الأول والأخير جذب الجمهور، فقديماً انتشرت الخرافات والغيبيات وحينها كانت حالة ضرورية للإنسان ليحقق التوازن مع الطبيعة، والمفارقة الكبيرة أننا اليوم في عصر العلوم والتكنولوجيا نعيش حالة مشابهة لما كان سابقاً، إذ أن العالم يتجه نحو العلم والمعرفة ونحن مازلنا نبحث بسذاجة عمن يخبرنا بالغد وبما سيحدث غداً، ربما كانت رغبة الإنسان بمعرفة المستقبل حالة طبيعية لكن أن نقيد حياتنا ونبني آمالنا على ذلك تلك هي المشكلة، ترى هل هؤلاء المنجمون قادرون بالفعل على معرفة مصائر الناس ولو كانوا كذلك فالأجدى بهم أن يغيروا أسلوب حياتهم للأفضل طالما استطاعوا معرفة المجهول، ولو بحثنا في حياة أحدهم هل سنجدها الأكمل؟ هل يكفي أن يقرأ أحدنا كتاباً في علم الفلك ليصبح عالماً أو منجماً؟ وفي أي إطار تندرج الكتب التي تتحدث عن الطالع والأبراج؟ هل هي خدمة حقيقية للعلم والثقافة أم أن هدفها الحقيقي الربح المادي لدار النشر وللمؤلف؟ ولماذا أغلب “العلماء” من هذا النوع من الوطن العربي وأغلب الكتب بالعربية وقد تترجم إلى لغات أخرى بهدف التسويق، طبعاً لا أقصد هنا علماء الفلك لأن الفرق واضح بين علم الفلك الذي قدم الكثير من المساهمات العلمية وبين التنجيم. هي أسئلة أضعها برسم هؤلاء “العلماء” لظاهرة تزداد انتشاراً والمهنة الدارجة للكثيرين ربما لأنها الأقل تكاليفاً والأكثر ربحاً، والإعلام أحياناً كثيرة يلعب دور الوسيط عن حسن نية لا أكثر.

جلال نديم صالح