الصفحة الاولىصحيفة البعث

المهاجـــــرون والعنصريـــــة المتصاعـــــدة

 

بدأت موضوعات النزوح واللجوء والهجرة، بوجهيها الشرعي وغير الشرعي، تشغل العالم وتتصدر ملفات القمم العالمية واجتماعات المنظمات الدولية والإنسانية، ولا سيما بفعل الحروب المشتعلة هنا وهناك في أنحاء العالم.
استفاقت بعض الدول مبكراً لهذا الخطر القادم من بعيد، فعملت على تقنين الظاهرة واحتضان اللاجئين بصفة مؤقتة لحين استطلاع خلفياتهم الثقافية والفكرية خوفاً من عبور التطرف والتشدّد، مع دخول غير منتظم لهؤلاء اللاجئين، وتغلغله بشكل تصعب معه السيطرة، فيما منعت دول أخرى دخول هؤلاء ولاحقت الفارين منهم، فسجّلت أقسى أنواع الملاحقة والاستهداف، ودافعها المبرر والوحيد هو خوفها على بنية مجتمعاتها المحلية.
كانت ألمانيا إحدى الدول التي قنّنت هذه الظاهرة، ولم تُخْفِ مصلحتها في احتضان هؤلاء اللاجئين وغربلتهم لانتقاء الشباب منهم والعمالة الماهرة والمدربة، ولا سيما أن المجتمع الألماني يتجه نحو الشيخوخة وبحاجة إلى الرفد بطاقات جديدة شابة قادرة على الاستمرار في بناء المجتمع.
وقد كان مشروع قانون الهجرة الجديد، الذي طرحته ألمانيا منذ أشهر، تعبيراً حقيقياً عن رغباتها في الاستفادة المثلى من وضع المهاجرين أو اللاجئين، وينصّ المشروع على “السماح لأي شخص بالعمل في ألمانيا بشرط أن تكون لديه مؤهلات معترف بها وعقد عمل في البلاد، ومن النقاط الأخرى في مشروع القانون هو إلغاء ما يتم العمل به حتى الآن من إعطاء الأولوية للمواطنين الألمان أو مواطني الدول الأوروبية في الحصول على فرص العمل، والتي كان يتمّ إلغاؤها فقط في مجالات العمل التي تعاني نقصاً حاداً في الأيدي العاملة في البلاد”، كما سيسمح المشروع لمن قام بالتدريب المهني بالسفر إلى ألمانيا لمدة محددة من أجل البحث عن عمل.
وقد حثّت نتائج دراسة حديثة أجراها خبراء من معهد أبحاث اقتصاد السوق والتوظيف وجامعة “كوبورغ” الألمانية على الإسراع في إقرار قانون الهجرة الجديد، وعزت ذلك إلى أن سوق العمل في ألمانيا تحتاج سنوياً إلى 260 ألف عامل مهاجر حتى عام 2060، وأظهرت أن القوى العاملة ستتقلص بمقدار الثلث تقريباً، أي نحو 16 مليون شخص بحلول 2060.
لكن رغم ذلك تتعالى أصوات مختلفة منذرةً بخطر العداء العنصري والأحقاد السياسية التي ستثار تجاه المهاجرين من جانب المواطنين أو السكان الأصليين للبلدان المستقبلة، إذ أظهرت دراسات أجريت على الطلاب أن نسبة كبيرة منهم أبدت تحقيراً وإهانة للجماعات العرقية الأخرى، كما أظهرت استطلاعات رأي أن الأحكام المسبقة والتفضيل الثقافي لها تأثير أكبر على التمييز مقارنة مع الاختلاف في مستوى التعليم، هذا يعني أن المجتمعات التي استقبلت المهاجرين بصدد خطر الكراهية الكامنة والعنصرية القابلة للانفجار في أي لحظة!.
جهود متراكمة لترميم مجتمعاتها تسعى دول غربية لتحقيقها من خلال استقبالها للمهاجرين، في حين تلوح الأخطار والمشكلات المجتمعية في الأفق لتعلّق راهن الحال دون إجابة مؤكدة عما ستؤول إليه، فهل ستتمكن تلك الدول من إنجاز اندماج المهاجرين مع أقل مستوى من الأضرار، أم سيكون الفشل مآلها بمواجهة التفجر الاجتماعي؟!.

ريناس إبراهيم