الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

بديع جحجاح.. رموز تتجه للسماء والناس معا

 

 

 

 

يفتتح في الساعة الخامسة من مساء بعد غد السبت معرض الفنان بديع جحجاح في صالة ألف نون للفنون إذ يحتفي الإبداع بما هو وجداني وخاص يختصر مشاعر واسعة متشابهة بين أفئدة المحبين والعشاق وأصحاب التجارب العرفانية، فقد أضحت اتجاها أدبيا في الشعر والرواية والمسرح والفن التشكيلي الذي تظهر عليه ملامح النزعات الصوفية واعتماد مشاهد الطقوس “الدراويش وحلقات الذكر” كمادة غنية لتأليف اللوحة التشكيلية واعتمادها مكثفة في إنتاج رموز ترويجية ودعائية لأفكار محددة ، هذا الاستثمار المشروع يفتح الباب أمام العديد من المحاولات الفنية لتأليف نماذج متقاربة تنتمي لهذه الثقافة الموصوفة بالخصوصية العقائدية المحملة بدعوات السلام والمحبة بين البشر.
اجتهد الفنان بديع جحجاح واشتغل طويلا على مشروعه القائم على تأليف رموز محددة تحمل قيما ومضمونا إنسانيا تسعى لتوحيد هذا المتفق وتكثيفه في رمز بصري اختزالي محبب قادر على حمل إشارة توجز وتغني عن شرح ربما يطول، فقد بدأ منذ سنوات في صياغة هذه الحلية الرمز منطلقا من أسئلة عن بداية الخلق والتكوين واعتماده النبضة كأساس للحياة حيث تتسع الدائرة من دقة في القلب إلى قلب كبير يسكنه العالم بالرحمة والسلام. من هذا الأدب العرفاني تنطلق رموزه التجريدية التي يعتبرها الجوهرة في التأليف والنواة للانعتاق نحو سعة كونية مطلقة حيث الفكرة التي تحيلنا إلى المحبة والرؤية بعين المتصوف الشغوف بالسكينة والسلام والتوحد كمشروع تفكير يعتبره خلاص الإنسان السوري في مواجهة التحديات القادمة، تلك الرموز المؤنسنة تأخذنا معه عبر التصميم المادي إلى قدسية الكلمة وعمق المعنى. أما الملموس فبات محملاً بالقيم عبر وسط من الاشتغال يعكس تلقائية الأداء وعمق التفكر وغنى العوالم اللونية. يصمم بديع رموزه الخاصة برؤية معمقة تهدف إلى مخاطبة روحانية إنسان اليوم وإيقاظها من سباتها تحت وطأة إشكالاته الوجودية المعقّدة، محاولاً نبش دواخل البشر وماهية جوهر وجودهم عبر علاقة جدلية ودائرية بآنٍ واحد. فالخروج من الحياة هو في نهاية المطاف، هجرة الروح من الجسد، الجسد في صراعه من أجل خلوده عبر ما يتركه من أثر في محيطه، وتطلعه إلى اقتفاء أثر جدّه القديم جلجامش في سعيه إلى عشبة الخلود، وقدرته على نشر الطاقة المعرفية والبصرية من خلال الرمز والرسم والكلمة والتأمل، حيث لا يكون الخلود إلا عبرهم,يفكك الفنان بنبرته البصرية منهجه الخاص في التصميم والحياة عبر اختبارات مثيرة واضعا نصب عينيه أن الكائن البشري هو القيمة الأعلى والأقدس كلما كان قادرا على جعل الحياة ممكنة،بسيطة ومتاحة للجميع.
أكسم طلاع