الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

لا تخيفني الحياة

 

الوقت لا يمضي ولا يأتي ولا يتوقف، من يمضي هو نحن غير مأسوف على رحيلنا.. أمتلك قدرة خرافية على الصبر، لا مشكلة تذكر لدي مع الوقت، أصرفه مثل عبث طفل بماء الحديقة، مثل مدمن على الرهان، فلا شيء يعنيه سوى الربح ولو بعد ألف عام.

أهدر الوقت بلا رحمة، فليس بفعل مرور الوقت يضيع العمر هباء، نحن مستهلكون من قبل من مروا بحياتنا، وصرفوا أوقاتنا كما يحلو لخاطرهم، فالوقت من شيخوختنا النفسية براء. إنه زمن التحولات تأخذنا الأشياء لنتحول رويداً رويداً إلى جدران، جدران قاسية كتيمة لا قلب لها، حيث تستطيع أن تدق فيها مسماراً تعلق به لوحة أو شهادة علمية حصلت عليها، أو ربما تضع عليها بعض الأواني، أو الكراسي الخشبية، لكنها تكون قد فقدت نكهتها الإنسانية، فهل تستطيع أن تقول للجدار يا صديقي، يا حبيبي، يا أنا، فيرد عليك (ها أنا هنا يا عزيزي..)..! لقد ضاقت الدروب كثيراً، بالكاد تكفي لمرور تنهيدة.

تعلمت طعم الحياة التي تفلت من بين أصابع روحنا، دونما أدنى انتباه، هو طعم واحد لا شريك له، وأي نكهة أخرى تأتي كفائض عن الحاجة، لا أعلم ما أنا فاعلة بها.

لا حول ولا قوة لي سوى الكتابة، أكتب لأخلق حواراً مع البياض هروباً من كم السواد الذي يحيط بي، أعترف بأنني بخيلة في الكلام، إن تكلمت تكون محاولة مني لأغلق فم الصمت قليلاً.

لا أعرف أي زهرة غريبة هو قلبي؟ أخاله زهرة خلقت من جذور فقط، تنتظر صباحاتها بفارغ القلق على رصيف تحت التراب، ومع كل ألم، يتوجب عليّ اقتلاع تلك الجذور، والترحال بها إلى مواطن الأمل.. شيء ما يأكل هذا القلب، يأكله كل ضيق بلا ملح..! الورق الإلكتروني بلاد دون تراب، وأنا لا أحب المنازل التي تبنى في الريح.. البهجة ترحل من جديد، تلملم ما نثرته من حبات فرح بين ثنايا الروح، وترحل باكرا قبل أن تستيقظ شياطين العقل وتبدأ بالعويل.. وها أنا أقف على ناصية العمر، أقطف ما تدلّى من حنين..!

الأيام تأتي وتذهب دون أن نعلم، لكن ثمة أيام مهما بعدت لا تنسى.. لا تخيفني الحياة أبداً، ما أخافه هو الظلم فقط.. صحيح أني كبرت لكنني لم أهرم ولم أتعب، مازالت الطريق طويلة، ولدي احتياطي كبير جداً من الحب، وبحوزتي ضحكة لا تشيب..

لينا أحمد نبيعة