دراساتصحيفة البعث

العنف في نيوزيلندا مستوحى من فرنسا

 

ترجمة: لمى عجاج
عن فورين بوليسي 16/3/2019
في يوم الجمعة 11 أغسطس 2017 قام اليميني الاسترالي برينتون تارنت الذي يبلغ من العمر 28 عاماً بإطلاق النار على المصلين في هجوم مسلح على مسجدين في كريست تشرش بنيوزيلندا، هذا الهجوم الذي راح ضحيته أكثر من 49 شخصاً، وجرح فيه العشرات، هل استلهم هذا الإرهابي أفكاره من اليمين الفرنسي المتطرف؟.
لقد كان موقف المتطرف محدداً، فقد بدا عاقد العزم على فعلته بعد أن قام بنشر بيان على الأنترنت قبل قيامه بالهجوم مؤلف من 74 صفحة، وقد بدا جلياً في هذا البيان، من أين استلهم تارنت أفكاره، فقد امتدح فيه القاتل الجماعي نرويجي الأصل أندرز بيرينغ بريفيك الذي قام بعمله نفسه، فهو مدان بقتل 77 شخصاً في هجومين منفصلين على مكان للدراسة في جامعة أوسلو، كما أبدى تارنت إعجابه بزعيم ما بين الحربين البريطاني الفاشي أوزوالد موزلي، لكن الأفكار الفرنسية كانت تحتل المكانة الأبرز في تفكير تارنت، ويبدو أن بيانه يعتمد بشكل واضح على عمل الكاتب الفرنسي المناهض للهجرة رونو كامو، حتى إنه انتحل عنوان كتابه
(الاستبدال الكبير) الذي أصبح شائعاً في مناقشة قضايا الهجرة الأوروبية، وأصبحت العبارة المفضلة لدى السياسيين اليمينيين المتطرفين في جميع أنحاء أوروبا، ومن أبرزهم اليميني المتطرف هولندي الأصل خيرت فليدرز، إضافة إلى مجموعة من الشباب من نشطاء اليمين المتطرف الذين يطلقون على أنفسهم اسم (جيل الهوية)، حيث قال تارنت إن رحلة إلى فرنسا ألهمته لينفذ هجومه المسلح عندما قال:
“كنت أقرأ منذ سنوات عن غزو فرنسا عن طريق غير البيض، واعتقدت أن هذه القصص والشائعات مبالغ بها، ولكن عندما وصلت إلى فرنسا وجدت عواطفي تتأرجح بين الغضب العارم واليأس الخانق، فقد كان الغزاة موجودين في كل مدينة فرنسية، أنا أشعر بالأسى على هذا الشعب الذي فقد ثقافته وهويته”.
وعلى الرغم من أن تارنت يسعى جاهداً لينسب الفضل في اعتدائه إلى كامو، إلا أن الكاتب الفرنسي ردّ على وابل الانتقادات التي وجهت إليه عبر تويتر من الذين يؤكدون على أن أفكاره ربما تكون قد ألهمت تارنت لارتكاب مذبحته، متهماً مرتكب الجريمة بالاستخدام التعسفي لعبارات لا تخصه، ولا يستطيع فهمها، غير أن بيان القاتل احتوى على بعض العبارات التي ذكرها كامو في كتابه بعدة أشكال أبرزها كان الخوف من المحو الديمغرافي الذي يحل فيه السكان الجدد محل السكان الحاليين، الأمر الذي أصر كامو على اعتباره أشبه بالاستعمار.
إن القلق المتزايد من المحو الديمغرافي، وتزايد أعداد المهاجرين مقابل السكان البيض، أصبح هاجساً يؤرق الأحزاب الوطنية في جميع أنحاء العالم، ويمكن أن نقتفي أثر هذه المخاوف في القرن العشرين عندما تنبأ السياسي البريطاني المناهض للمهاجرين انيوك باول برؤية مروعة تصور فيها كميات هائلة من الدماء تسيل في بريطانيا، في إشارة إلى الدماء التي سيتسبب في سيلانها المهاجرون الملونون في انكلترا، ويرى جان ايف كامو، وهو باحث فرنسي من أقصى اليمين، بأن أفكار تارنت متأثرة بشكل كبير بفكر راسبيل أكثر من نظرية (الاستبدال الكبير)، وأنه أكثر تطرفاً من رونو كامو الذي استخدم مصطلح الاستبدال الكبير، ليشير إلى الفكرة التي يؤمن بها بأن السكان الأوروبيين الأصليين سيتم اقتلاعهم واستبدالهم بالمهاجرين غير القوقازيين، ولكنه لم يتطرق إلى العنف والإرهاب، في حين أن أفكار راسبيل تشبه إلى حد كبير أفكار تارنت، فقد أصبحت روايته البائسة (معسكر القديسين) منارة للشخصيات اليمينية المتطرفة كالسياسية الفرنسية ماري لوبان، والمستشار السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستيف بانون، ففي عام 2015، وخلال أزمة اللاجئين السوريين، حثت اليمينية المتطرفة ماري لوبان الملايين من رواد وسائل التواصل الاجتماعي على قراءة رواية راسبيل كي لا تغرق فرنسا بالمهاجرين.