دراساتصحيفة البعث

انهيار وهم الامبراطورية

 

ترجمة: هيفاء علي
عن ريزوانترناسيونال 17/3/2019
في الوقت الذي تتبجح فيه إدارة ترامب بتفوقها العسكري، وتهدد بغزو فنزويلا بذريعة إدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين، مثلما فعلت في أفغانستان، والعراق، وسورية، وتهدد بشن حرب عالمية ثالثة ضد قوتين عسكريتين واقتصاديتين كبيرتين هما روسيا والصين، تشير المعطيات الأخيرة إلى أن هذه “الامبراطورية” الوهمية تشهد تراجعاً عسكرياً ملموساً.
كان انهيار الامبراطورية الرومانية عملية بطيئة ومنهجية، ولكن لم يشعر بها المعاصرون في ذلك الوقت البعيد، ثم جاءت اللحظة التي ثارت فيها الجيوش الرومانية للتخلص من دروعها الفردية المرهقة، بعد ذلك، قام الجنود بإلقاء الدروع المحمولة على أكتافهم لحمولتها الثقيلة قبل تعليق السيف على أغصان الأشجار، واستغلال الوقت للفرار من الخدمة العسكرية، كان التراجع العسكري كبيراً لدرجة أن روما لجأت إلى القوات المساعدة التي تم تجنيدها من بين الدول الأخرى حتى اختفائها تحت ضربات الجنرال البربري.
وبعد مضي أكثر من 16 قرناً تقريباً، التراجع نفسه يصيب أول قوة عسكرية في العالم، وعلى الرغم من وجود ميزانية كبيرة تبلغ حوالي تريليون دولار أمريكي، فإن البنتاغون مجبر على تبني سياسة جديدة تسمى “الانتشار أو الخروج!”، تهدف إلى تجميد عناصر الجيش غير المناسبين للنشر، حيث تم حتى الآن تقديم الشكر على الخدمة لأكثر من 21000 جندي (في أربع فرق) منذ صيف عام 2018، أي أربعة أضعاف ما كان متوقعاً، ويُخشى أن يتجاوز عدد القوات “غير القابلة للنشر” عدد قوات فيلق الجيش بحلول تموز 2019.
الأسوأ من ذلك، قدرت دراسة رسمية أجرتها وزارة الدفاع الأمريكية عدد العسكريين غير القابلين للنشر بحوالي 235000، منهم أكثر من 126000 يكافحون أو يفشلون في تلبية المعايير الأساسية للرياضة العسكرية، أما الباقون فهم الموظفون الذين يقتربون من التقاعد، أو النساء الحوامل، (وهي نسبة عالية تخفي بشكل سيىء الوظيفة، والتغطية الاجتماعية، وتغطية القوات المسلحة لفئات معينة من السكان).
وفجأة، يعطي البنتاغون مهلة لمدة اثني عشر شهراً للجنود غير المؤهلين للوفاء بمعايير النشر، ومن المحتمل أن يكون أكثر من 310,000 جندي أمريكي خارج الحلقة إذا اكتملت هذه السياسة الجديدة على المدى القريب، لذلك تستعد واشنطن بجدية لشن حرب عالمية، ليس ضد تهديد وهمي كما كان الحال منذ عام 2001، (مع تسويق الحرب التي لا تنتهي ضد الإرهاب)، ولكن مع قوتين هائلتين: الصين وروسيا، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ما زالت واشنطن تملك الوسائل اللازمة للحفاظ على هذه الطموحات المفرطة؟.
عندما نفذت وحدات مشتركة من الجيش السوري مناورات بالقرب من المحيط الأمني ​​لقاعدة التنف الأمريكية في أقصى جنوب شرق سورية، على بعد ما يزيد عن 55 كيلومتراً من تمركز قوات المارينز الأمريكية خلف حواجزها، لم تجرؤ أية طائرة مقاتلة تابعة للتحالف على التحليق فوق القوات السورية المناورة في وسط الصحراء لسبب بسيط هو أن الطائرات السورية T-55 و T-62s كانت تتمتع بغطاء جوي ونظام دفاعي، ومن الواضح أن طائرات ميغ 29 كانت تحلّق فوق المنطقة طوال الوقت، وأنظمة صواريخ سام المحمولة (Buks) كانت ترافق الوحدات السورية على بعد عشرات الكيلومترات من قاعدة التنف في الأراضي السورية، ومخيمات التحالف في العراق المجاور.
يا له من وضع هزلي، تتمركز القوات العسكرية الأمريكية على أراضي دولة ذات سيادة دون دعوة من حكومتها، وتقبل أن تكون مطوقة من جميع الجهات من قبل الجيش السوري، إنها ليست هفوة أو صورة كاريكاتورية، بل هي حقيقة واقعة، ويمكن للمرء أن يتخيل بسهولة الحالة الذهنية والنفسية لجنود التحالف الراسخين بالمستوى الدفاعي الأول الذي توفره لهم قوات “سورية الديمقراطية”، وخاصة أقمار التجسس في المدار مقترنة بقاذفات القنابل، وغيرها من الطائرات دون طيار المتمركزة في العراق.
هل يمكن للمرء أن يتخيل أن القوات الأمريكية أو أية دولة تابعة لحلف الناتو قد تقلصت إلى هذا الوضع أثناء غزو العراق في نيسان 2003؟ قطعاً لا، فالتراجع دائماً غير محسوس حتى الضربة النهائية، إذا كانت واشنطن تمتلك وسائل سياستها، فلن تقبل أبداً أن تتعرّض للإهانة بهذه الطريقة، الإيرانيون لا يُخدعون، فهم يراقبون المشهد، وقد عبؤوا جميع قواتهم من أجل “إلحاق درس قاتل بأعدائهم في المنطقة”.
حقيقة، هذا الوضع يذكرنا بالحرب الكارثية في أفغانستان، حيث عاش الملا عمر لسنوات، وهو القائد الأعلى لحركة طالبان في أفغانستان من عام 2001 حتى وفاته في عام 2013، مرتاح البال، وكان مستقراً على بعد 5 إلى 10 كيلومترات من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية، حيث كانت مجموعات من الطائرات المقاتلة، والمروحيات الهجومية، والعربات المدرعة تسير بحثاً عن اتصال مع طالبان.