ثقافةصحيفة البعث

تستحق.. لأنها الأغلى

 

كثيراً ما تساءلنا عن معنى الأمومة؟ عن السر الكبير الذي يحيط بهذه المرأة العظيمة، وفي غالب الأحيان يكون الجواب متعلقاً بمدى تضحياتها تجاه أطفالها وحتى في بعض الأحيان زوجها أيضاً، وفي ذاكرتنا الطفولية أفلاماً عن تضحيات الأم وأغان متعلقة بها مثل أغنية غوار “يامو” و”ست الحبايب” التي يغلب عليها ذلك الطابع الحزين.

الأكيد أنني لن أستطيع أن أخرج من دائرة هذه الإجابة، إلا أنني سأحاول تسليط الضوء على الطرف الآخر من المعادلة ألا وهم الأبناء، أولئك الذين يتلقون دوماً العطف والحنان والذي يعتبرونه حقهم الطبيعي والمكتسب.

< هو كان مع أمه يتسوقان ليجلبا أشياء للمنزل، وفيما كانا منهمكين لفت نظر الأم أحد الأغراض حملته وتأملته وتنهدت قليلا ثم أعادته إلى مكانه، نظر إليها الطفل مستغرباً وسألها لمَ أرجعته ألم يعجبك؟ قالت: إنه جميل إلا أنه باهظ الثمن سنشتري بثمنه أشياء أخرى، بعد فترة من الزمن وجدت هدية على الطاولة ملفوفة ومكتوب عليها لأنك أجمل وأثمن شي ادخرت مصروفي من أجلك.

< هي اعتادت أن تشكو لصديقاتها ما يحصل معها وأحيانا تجد منهن من تستمع لها أو ربما تعطيها حلاً لمشكلة ما، وفي المساء تعود إلى المنزل لتخبر أمها روتين يومها ومشاكلها كأنه أمر اعتيادي، كبرت الفتاة مدركة أن الشخص الوحيد الذي كان يقف بجانبها هي أمها، تلك الطبيبة التي كانت تسمعها كل ليلة واعتادت أن تخيط جراح قلب ابنتها وترممه لتعطيه دفق الحياة من جديد.

< قال لها أخوها لن نشتري شيئاً هذا العيد لأمنا، هي لم تطلب شيئاً ولا تريد أيضاً فقاطعته: إياك أن تصدق يوماً أنها لا تريد شيئاً، هي لطالما فضلت التضحية إلا أنها لا تريد بالمقابل شيئاً غالياً إنما تريد أن تعرف ما مدى غلاوتها عندنا.

أمثلة كثيرة يمكن ذكرها والكثير منا مر بها، وهنا لا أريد أن نكون نحن الأبطال إنما أريد أن نضيء على تلك الشمعة التي غرستها واعتنت بها أمنا في كل مراحل حياتنا عندما أنّبتنا مرة وعندما حضنتنا مرات، عندما ضربت على يدنا حتى لا نفعل أمراً وكم ربتت بنفس الكف على كتفنا لتواسينا.

ما معنى الأمومة؟ أعتقد أنه سؤال فلسفي بحت يضاف إلى بقية الأسئلة التي لا يجاب عنها إنما يشعر ويحس بعنفوانها، الأمومة كما الحياة قاسية، صلبة، حنونة، تحمل بين طياتها جميع الاحتمالات.

ما معنى الأمومة؟ قصة صغيرة سمعتها من فتاة تكبرني قليلاً كانت قد تزوجت في عمر المراهقة ولم تمض فترة وجيزة حتى وجدت نفسها تنظر إلى طفلتها التي تمسك لعبتها، والثانية بين قدميها تبكي لترفعها بين يديها المشغولتين أصلا بثالثة رضيعة، وجدت نفسها تنظر إلى الفراغ ماذا ستفعل بعد أن أصبحت أرملة ولم تكتمل أنوثتها بعد؟! ماذا ستفعل بعد أن أصبحت أماً لثلاث فتيات وهي مازالت تحلم بأن تكبر وتحاول أن تحقق أحلامها؟! هي اليوم في الثلاثينيات من عمرها أم لأطفالها الثلاثة بعد معركة طويلة ضد العادات والتقاليد، هي أم فخورة بشهادتها الجامعية ووظيفتها الأولى، هي أم تخلت عن حقها في الزواج من جديد واكتفت بشعور الأمومة، هي أم جميلة تخرج مع فتياتها لتحكي لهن كم أن الحياة جميلة وفيها ما يستحق أن يعيش المرء لأجله.

لربما هنا أستطيع أن أعرف وألمس الخيوط الأولى للأمومة، أخجل عندما أعتقد بأن الحياة ظلمتني بمجرد تذكر قصة هذه الإنسانة الرائعة والتي ليست وحدها بل هناك مثيلات لها لم يهربن من قدرهن وواجهنه بقوة وصلابة.

علا أحمد