اقتصادزواياصحيفة البعث

ما غاب.. في عيدهما..؟!

قال فريدريك نيتشه: “لا صلاح لأمة فسدت منابت أطفالها”.
استشهدنَّا بهذا القول المأثور’ لأننا لم نعد -مادياً- نملك ما يستحق، أن نقدمه للأم السورية وللمعلم السوري في يوم عيدهما، عيدان في عيد يشترك الاثنان في معانيهما ودلالاتهما: التربوية والتعليمية والأخلاقية، كما يشتركان في مسؤولية وعبء هذا الثالوث القيمي السامي.
ولعله أول دمج كان موفقاً على الأقل شكلاً، حيث الفردية والأنانية والمصالح الشخصية، أضحت الأثافي الثلاث التي تهدد مجتمعنا ومستقبله في أثمن ما يملك وهو النشء.
اليوم نجد أنفسنا مضطرين للحديث عن عيد هاتين القيمتين العظيمتين، الأم والمعلم، بعكس ما اعتدنا التحدث فيه، وجدانياً وتضحية وحباً؛ لأننا سنتناول هذه المناسبة من الجانب المادي الاقتصادي، استناداً لما يشكلاه من أثر وتأثير في البناء الإنساني، وبالتالي في بناء الوطن وتحديد مصيره؛ مستحضرين قول أمير الشعراء: “الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيِّب الأعراق”.
استناداً للقولين المأثورين، وللتجربة نجد أن لكل من الأم والمعلم دوراً رائداً وحاسماً في عملية تنشئة الأجيال، ويكاد يكون أساساً لا يضاهيه أساس في عملية بناء الشخصية، وخاصة في المرحلة المبكرة لتكوين الفرد، وبالتالي تكوين توجهاتها وقناعاتها وانتماءاتها المستقبلية.
عملية يختلط فيها التربوي بالتعليمي والاقتصادي، لم نعر بالاً واهتماماً فيها، لخطورة العامل التربوي وأثره على التعليمي وانعكاساته على الاقتصادي، نتيجة لعدم اكتراثنا بأهمية هكذا رابط، ونظرتنا إلى أن المشاعر والقيم والمبادئ لا تسمن ولا تغني، حين البحث في مصائر أبنائنا، ولا أدل على ذلك ترسخنا – دون أن ندرك – في أذهان أطفالنا ومنذ نعومة أظفارهم، أنهم إما أطباء أو مهندسون..إلخ، أي ترسيخنا للعامل المادي المالي الصرف، بعيداً عن الأهم وهو الدور الذي يتكامل فيه الفرد مع غيره لبناء مجتمع ووطن صحي وصحيح.
هذا الترسيخ الخطر، ولَّد حالة من التنافسية السلبية حول جني المال والإثراء السريع ما بين أفراد ومكونات المجتمع، دون أية مراعاة للإمكانات الفردية العلمية والعملية، فأصبحنا نجد وبكثرة أفراداً لم يتعد تعليمهم الابتدائية أو الإعدادية، يملكون وفي زمن قياسي ثروة، بينما من كان مدرساً ومعلماً لهم يكاد لا يقوى على تأمين متطلبات معيشته اليومية…!
إنه خلل بنيوي متعدد الأوجه والأبعاد، لو كان هناك دراسة سيكولوجية (اقتصادية اجتماعية) له، لتبين لنا كم التكاليف المالية التي ضاعت، وكم من المبادئ والقيم والمفاهيم الاجتماعية تشوهت، ولما تفاجأنا حينها لماذا وصلنا إلى هذا الدرك من التناقضات والأزمات الاقتصادية.
للمصادفة، وأنا أكتب هذه المقال، اتصل بي هاتفياً دكتور في الاقتصاد، يسألني الرأي: أيهما يعتبر قطاعاً تنموياً، القطاع السياحي أم قطاع التربية والتعليم..؟ وأردف – بعد أن أجبته الرأي- القطاع التربوي يعد تنموياً بامتياز، كونه يتناول التنمية البشرية، وعليه فإن ما يخصص له من ميزانية يستحقها بجدارة.
فهل وصلت الرسالة أيها “المعلم”، يا من كدت أن تكون رسولاً برأي شوقي..؟
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com