الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

الجولان العربي السوري!

حسن حميد

أكاد لا أصدق أن فكرة الهيمنة والتوحش والجلافة والعدوان على الآخرين، وعدم احترام الشعوب والأمم الأخرى.. ما زالت تسيطر على الفكر الغربي وتصبغه بصباغها وتماشي سلوكياته في كل شأن وقضية، على الرغم من تقدم الدنيا، والمناداة بالعدالة والمساواة، واحترام الحقوق الفردية والجماعية، وصيانة دساتير الدول وسياداتها وعدم التدخل في شؤونها، وعلى الرغم من تقدم حالات المدنية وصورها، وعلو شأن الثقافة وفنونها. فالغربي الأوربي والأمريكي والكندي والأسترالي (عبر تعددية طيوفه هذه) ما زال يتعامل مع الشعوب والأمم الأخرى وفق معادلة السيد والعبد وبما يرضى مصالحه لأنه امتلك القوة، وسيطر على المنظمات والهيئات الدولية، وحاز طرق التجارة، وامتلك شؤون الزراعة والصناعة والسياحة، وتحكم بمنابع الطاقة ودروبها، واستحوذ على كل شيء حتى الهواء.. هذا الغربي، ومنذ مئات السنين، إن لم يكن أكثر، ما زال أعمى أمام المرآة التي يواقفها، فلا يرى نفسه إلا مثالاً للتحضر والمدنية وهو غارق حتى عنقه في دم الشعوب والأمم التي احتلها ونهب خيراتها وطوى قدراتها وأوقف نموها، وكأن كل هذه المدنية، والقرارات الداعية إلى المساواة والعدالة، وكل الآراء القائلة أن العالم قرية واحدة ما يصيب طرفاً منها بالأذى يصيبها كلها.. هي أفعال بهلوانية تدور في الهواء ولم ترسُ على الأرض لتصير شرائع.. وإلا ما الذي يمايز ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، وبعد مرور مئة سنة وأزيد، على بلفور (وزير خارجية بريطانيا عام 1917)، المفقوع في عقله حين منح وعداً للصهاينة بأن تكون أرض فلسطين لهم، فأعطى ما لا يملك لمن لا يستحق من دون أي خجل إنساني أو أخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني صاحب الحضارة والتاريخ والعمران فوق أرضه، ترامب الذي ينوي الموافقة على ضمّ الجولان العربي السوري إلى الكيانية الصهيونية! ليس من تفسير لهذا العمل المقبوح سوى أن ذهنية (البلفرة) ما زالت تمشي في عروق الغربيين لأن سمات التوحش والعدوانية والهمجية هي جينات متوارثة لديهم، وها هي تتبدى في غير مكان من العالم، ولا سيما الأمكنة الرافضة بالفطرة للهيمنة والخضوع والتبعية للولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها. ترى والحال كذلك أسأل كيف يتجاهل حكام الولايات المتحدة الأمريكية كل الأفكار والمبادئ التي اشتغلوا عليها من أجل تجميل قباحات ما فعلوه فوق أرض الهنود الحمر، حين نادوا بالعالم الحر، والعالم العادل، والسلم، وصيانة الحقوق، واحترام سيادة الدول، وفي مقدمة عناوين السيادة أراضي تلك الدول، وهم يفعلون ما يفعلونه اليوم، وفي جميع أنحاء العالم، من توحش وعدوان على الآخرين!

ألا يعرف ترامب، ماذا حدث لجيوشه في فيتنام، ألم تذق الأجيال الأمريكية طعم الهزيمة التي أغرقت بلاده بالمذلة، ألم يقرأ تاريخ الاستعمار، تاريخ القوة والهيمنة، وما آل إليه في خواتيمه، ألم يعرف نهاية بريطانيا التي احتلت ثلاثة أرباع العالم، ومكثت احتلالاً في جنوب أفريقيا والهند وحدهما حوالي 1000 سنة ناهبة معتدية سارقة، ألم يعرف نهاية استعمار فرنسا للجزائر، واستعمار إيطاليا لأثيوبيا وأرتيريا والصومال وجيبوتي. ألم يقرأ هزائم أمريكا الأخيرة في الأمكنة التي اعتدت عليها جميعاً وما زالت تعتدي!

ترامب اليوم، غربي آخر مفقوع في عقله، لم يفهم معنى صبر الشعوب، ولا عزيمة أهل البلاد، ولا الرفض، فطرةً، للهيمنة والوحشية! لم يعِ مصير قراراته، وما ينتويه، هو مصير قرارات البريطانيين والأمريكان والإسرائيليين التي جعلتها الشعوب المؤمنة بالحياة والتاريخ والمستقبل أضحوكة وأقل.

إن قرار ترامب الأخرق الذي يزيد بشره شرور الصهاينة في المنطقة هو قرار زائف، زائل، بل هو كتابة في الهواء، لأن الجولان عربي سوري، وهذا ما نقشته مدونات التاريخ، وما أيدته الحياة ووجوه العمران، وهذا ما تحفظه همم الأبناء، أهل الحمية والصحو والنباهة، حراس الكرامة والكبرياء والسيادة الوطنية!

Hasanhamid55@yahoo.com