تحقيقاتصحيفة البعث

مراكز خدمة المواطن مشكلات تقنية ووظيفية .. وتطوير عمل الكوادر عقدة أساسية

 

لا يختلف اثنان في أن الأهداف التي أقيمت لأجلها مراكز خدمة المواطن شكّلت ارتياحاً في الشارع الذي عانى من الروتين والإجراءات المعقدة، بما فيها الفساد الذي زعزع الثقة بين المواطن والمؤسسات الخدمية التي انحرفت في مسيرة عملها عن الغاية الأساسية لوجودها نظراً لكثرة التجاوزات والممارسات الخاطئة من قبل بعض كوادرها، إضافة إلى الإهمال والتقصير الحاصل في تعاطيها مع قضايا وخدمات الناس.
التساؤلات التي تطرح نفسها هنا بعد سنوات على افتتاح مراكز خدمة المواطن، وانتشارها في معظم المدن على امتداد القطر، وامتلاكها أحدث التقنيات: ما الفرق الذي أحدثته على أرض الواقع؟ وهل استطاعت أن تزيح السلبيات المتراكمة في عمل المؤسسات الخدمية، أم أفرزت مجموعة من المشكلات التي أفقدت التجربة بريقها؟.

كلام الواقع
رغم الجهود المبذولة لتعزيز حضور مراكز خدمة المواطن، والحرص على تطويرها، إلا أن واقعها يقول عكس ذلك، فلا يتردد المراجعون لهذه المراكز بترديد عبارة: “الله يرحم أيام السجلات”، والحنين لأيام مراجعة المديريات المصدرة للوثائق مباشرة، خاصة مع الازدحام الشديد في مراكز خدمة المواطن، وضعف أو انقطاع الشبكات التي تربط مخدمات الجهات الحكومية مع حواسب مراكز خدمة المواطن، وانقطاع التيار الكهربائي، وتعطل الطابعات أو الحواسب، أو مزاجية الموظف، وبالتالي الانتظار لساعات، أو أحياناً المراجعة لعدة أيام للحصول على وثيقة واحدة أو عدة وثائق، في حين يفترض أن تقدم الخدمة للمواطن بوقت قياسي لا يتجاوز عشرين دقيقة، وقد أجمعت آراء عدد من المراجعين لمراكز خدمة المواطن على ضعف الأداء في المراكز المزدحمة دائماً لبطء خدماتها، أو غيابها، وارتفاع الرسوم، كما حدث مع المواطن كريم الحاج الذي راجع لثلاثة أيام “مركزي خدمة المواطن في جرمانا، وباب توما” دون جدوى كونه بحاجة لوثيقة “غير عامل”.

الإهمال يعرقل
ليست الأعطال الفنية وحدها السبب فيما ذكرناه آنفاً من عيوب التجربة، فالإهمال لدى بعض العاملين في أتمتة البيانات الورقية، أو إتمامها، أو التأخر بتوجيه المراسلات بشكل سريع، يؤثر سلباً وبشكل كبير على جودة خدمات مراكز خدمة المواطن، على سبيل المثال ذكر لنا أحد المواطنين أنه لم يتم منحه بياناً عائلياً بعد إعلامه من قبل الموظفة المختصة في أحد مراكز خدمة المواطن أن ابنه غير موجود على المخدمات الالكترونية، رغم أنه قام بتسجيل واقعة ولادة ابنه منذ سنة ونصف، وتعاني البيانات التي من المفترض أن تستكملها الجهات العامة، ومن ثم تزود بها “المراكز”، من نقص يسبب الخلل في تقديم الخدمات أيضاً، ويضطر المواطن لمراجعة الجهة الأساسية للحصول على الوثائق وبشكل يناقض الغاية التي تم إنشاء “المراكز”من أجلها!.

توسع وتأمين وصيانة
حول التساؤلات عن أسباب المشكلة، والحلول، وتناسب الرسوم مع الدخل، أجابت المهندسة في محافظة دمشق هالة الدهيم بأن عدد الخدمات المقدمة من قبل المراكز كبير جداً، حيث بلغ (641684) معاملة في عام 2018، ولتجنب الضغط يستمر مركز خدمة المواطن الرئيسي بالدوام أيام السبت من كل أسبوع، بالإضافة لتوسيع بعض المراكز: “الميدان- الشام الجديدة-المهاجرين- القنوات”، كما قامت المحافظة في عام 2018 بإجراء مسابقة واختبار لرفد “المراكز” بالعدد الكافي من العاملين المؤقتين لتسيير كافة المعاملات بالسرعة المطلوبة، وتم تزويد المراكز بمولدات كهرباء وصيانتها بشكل دوري، ولتلافي مشكلات الشبكات فقد تم تزويد المراكز بخطوط (g3) لاستخدامها في حال تعطل الشبكات، إلا أن “المراكز” تعتمد على الجهات العامة الأخرى لتقديم الخدمات للمواطن، وفي حال توقف خدمات تلك الجهات بسبب وجود الأعطال لديهم، أو حدوث أعطال في دارات الاتصال المستأجرة، سيؤدي ذلك لانقطاع الشبكة، وبالتالي توقف الخدمة في”المراكز” ريثما يتم إصلاحها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وأكدت المهندسة “الدهيم” أن الرسوم التي يتم استيفاؤها من المواطن مقابل الخدمات المقدمة له في”المراكز” تم تدقيقها من قبل لجنة خاصة في المحافظة، وبالتنسيق مع الهيئة العامة للضرائب والرسوم، وتتم مراعاة كافة القوانين والمراسيم النافذة وتعديلاتها.

الخلل موجود
هناك مشاكل عامة تؤدي لضعف أو توقف خدمات مراكز خدمة المواطن، بحسب مديرة مديرية تبسيط الإجراءات في وزارة التنمية الإدارية المهندسة نبيهة الحلاق، ولا يمكن حصرها بطرف، بل هي مسؤولية عدد من الجهات المشتركة في تقديم الخدمة للمواطن، كما أن تقنين الكهرباء ضمن الدوام الرسمي، وعدم وجود مصادر طاقة بديلة عند انقطاع التيار الكهربائي، إما لعدم وجود مولدات كهربائية، أو حتى عدم وجود الوقود الكافي لتشغيلها، سبّب بشكل كبير توقف عمل المخدمات لدى الجهات التي تقدم البيانات لمراكز خدمة المواطن، إضافة لوجود مشاكل في الشبكات بين المراكز والجهات المقدمة للخدمة، أو حتى الشبكة الداخلية للمراكز، أما بالنسبة للمشكلات الخاصة بخدمات دائرة السجل العام للعاملين في الدولة، وأهمها وثيقة “غير عامل”، فقد أشارت المهندسة الحلاق إلى أن الفترة الماضية كانت تتضمن بعض التعقيدات الناجمة عن انتقال تبعية “السجل” لوزارة التنمية الإدارية، والسعي لتلافي كافة السلبيات بخطوات جديدة، وأبرز ثمرات تلك الخطوات إطلاق النافذة الواحدة لدائرة السجل العام للعاملين في الدولة، وتالياً هناك إشكاليات سببها نقص البيانات التي يجب أن ترسل من الجهات العامة إلى السجل العام، وعدم تجاوب تلك الجهات، أو تأخرها بتزويد “السجل” بتلك المعلومات، وسيتم وضع حلول لذلك قريباً، كما أكدت “المهندسة الحلاق” أنه تم التواصل بين وزارتي التنمية الإدارية والكهرباء بغية عدم تقنين الكهرباء خلال الدوام الرسمي نهائياً، ونقل التقنين إلى ما بعد الدوام، وتم تنفيذ ذلك بشكل فعلي، وكان لذلك أكبر الأثر في الحد من حالات انقطاع أو بطء الخدمات المقدمة من السجل العام إلى مراكز خدمة المواطن.

لا توجد مشكلة
خلال مناقشات مجلس الشعب لأداء عمل وزارة الاتصالات والتقانة فقد طالب المجلس بمعالجة مشكلة توقف خدمات تقديم الوثائق للمواطنين لدى الجهات العامة في كثير من الأوقات بحجة انقطاع الشبكة، وكان رد وزارة الاتصالات والتقانة أنهم مسؤولون عن تأمين البنى التحتية للربط الشبكي بين الجهات العامة فقط، أما مسؤولية عمل “السيرفرات أو المخدمات” الموجودة لدى الجهات العامة أو توقفها، فتقع على عاتق تلك الجهات، وأكدت الوزارة على أثر انقطاع التيار الكهربائي في توقف تلك المخدمات.

استبدال الشبكات
دور وزارة الإدارة المحلية في الإشراف على عمل مراكز خدمة المواطن يتم من خلال اللجنة المركزية لمراكز خدمة المواطن، بحسب ما أوضحته لنا مديرة المعلوماتية في”الوزارة” PDN المهندسة نسرين بلال، وأن “المراكز” ترتبط بشبكات مع المخدمات والأنظمة البرمجية الموجودة في الجهات العامة لتقديم الخدمات للمواطن، وتتم حالياً دراسة استبدال تلك الشبكات بدارات ضوئية FIPER تتميز بسرعة عالية لنقل البيانات، والتخفيف من العيوب والأعطال التي تقاطع عمل الشبكات في الوقت الراهن، وإضافة خدمات جديدة تتعلق ببيانات وتراخيص “الوزارة”، وأكدت المهندسة “بلال” أنه تم وضع خطة من قبلهم للتوسع الأفقي في مراكز خدمة المواطن للعام الحالي، وإنشاء “مراكز” في المحافظات التي لا توجد فيها مراكز مثل: (درعا، القنيطرة، دير الزور)، إضافة لعدد من المدن والأحياء في المحافظات، وتأمين وتدريب الكوادر اللازمة لحسن سير عمل تلك المراكز، وتأمين التوسع في تقديم خدمات جديدة في تلك المراكز.

ما الحل إذاً؟
إن المشكلة مازالت موجودة، وبالرغم من أن الاهتمام يظهر من خلال توسيع المراكز، وزيادة عددها، وتطويرها بإمكانيات مادية كبيرة، إلا أن العقدة الأساسية تكمن في تطوير عمل الكوادر البشرية التي تنشىء البيانات، وإيجاد مخدمات وشبكات تعمل بجودة عالية، ولا تعرف التوقف، أو الانقطاع، أو البطء كي لا تفقد التجربة بريقها، ونتمنى أن تثمر الجهود وتتكامل بين كافة الجهات المسؤولة لحل جميع الإشكاليات، ولتقديم الخدمة الأمثل في المراكز التي خصها السيد الرئيس باهتمامه لهذا العام عندما طالب جميع الوزراء بالاهتمام بهدف تعزيز ثقة المواطن بتعافي عمل شتى الوزارات، والتحسن السريع في أدائها، كما نتمنى ألا يبقى تقاذف التهم، والتهرب بين الجهات المسؤولة عن “المراكز” سيد الموقف.

بشار محي الدين المحمد