دراساتصحيفة البعث

أوروبا قلقة من التعاون بين إيطاليا والصين

ترجمة: عناية ناصر
عن موقع فالداي 29/3/2019
تكمن المشكلة الرئيسية في توقيع الصين على مذكرة تفاهم مع إيطاليا، العضو المؤسّس في الاتحاد الأوروبي، في أنها قد تعرّض محاولة أوروبا لإنشاء جبهة تفاوضية موحّدة مع بكين للخطر، إذ اعتبرت الدول الصناعية الأكبر في الاتحاد الأوروبي الموقف الأوروبي المشترك في مواجهة الصين أداة ضرورية لمواجهة نتائج الاتفاقية المحتملة بين واشنطن وبكين حول التجارة، والتي يمكن أن تسمح بفتح جزء أكبر من السوق الصينية أمام المصالح الأمريكية على حساب اللاعبين الأوروبيين.
يعكس تحرك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لترتيب اجتماع مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر والرئيس الصيني شي جين بينغ خيبة الأمل من الموقف الإيطالي، وبالقدر نفسه للحفاظ على التماسك بين الجهات الفاعلة الأساسية في الاتحاد بمواجهة الصين، لكن المنافسة الداخلية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي تعتبر عاملاً آخر يؤثر على هذا الاستقطاب، فبلدان شمال أوروبا، التي تضمّ الموانئ الرئيسية التي احتكرت حتى الآن التجارة البحرية بين أوروبا والشرق الأقصى، عرضة لمنافسة محتملة من قبل موانئ البحر المتوسط ​​التي قد تتدفق إليها الاستثمارات الصينية. لذلك يعدّ الاحتكاك المتصاعد بين إيطاليا وفرنسا مع اقتراب الانتخابات الأوروبية في شهر أيار عاملاً آخر يجب أخذه في الحسبان.
تنظر الولايات المتحدة إلى مذكرة التفاهم بين الصين وإيطاليا من خلال منظور التنافس الاستراتيجي مع الصين، فهي ترى أنها وسيلة لإحياء مشروع بدا أن زخمه قد تلاشى، المشروع الذي يهدف إلى خلق بديل للهيمنة الأمريكية. لذلك تركز واشنطن بقوة على البعد التكنولوجي للصفقة، فتكنولوجيا الجيل الخامس الصينية أكثر تطوراً من نظيرتها الغربية، وقد يشكّل هذا حافزاً قوياً لشركاء أمريكا الأوروبيين على استخدامها. ولا تزال مسألة الأمن مطروحة ويجب إدارتها بشكل صحيح، ففي حين أن الحظر المفروض على التكنولوجيا الصينية قد يكون مفهوماً من منظور أمريكي، يعتبر الصين بمثابة تهديد استراتيجي، إلا أن هذا الحظر قصير النظر من قبل الاتحاد الأوروبي الذي يرى عموماً أن التهديد الأمني ​​خطر يمكن السيطرة عليه. لكن هذا لا يعني، بالطبع، أن الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يقلق بشأن الأمن، والذي يجب ضمانه من خلال الضوابط، وتبادل المعلومات.. وما إلى ذلك.
قد يؤدي توقيع مذكرة التفاهم من قبل الحكومة الإيطالية الجديدة إلى إضعاف قدرة أوروبا على تطوير ردّ مشترك إزاء هذه المسألة. في الواقع إن مذكرة التفاهم هي تقريباً عبارة عن قائمة بيانات حسن نية، تشمل كل شيء، ولكن على المستوى العام فقط. إلا أن حقيقة الأمر هي أن التعاون الاقتصادي الفعلي هو المهم. ستستثمر الصين فقط إذا كان لها مصلحة حقيقية للقيام بذلك، لكن الصين مهتمة الآن بأن تظهر أمام أكبر اقتصاديات الاتحاد الأوروبي أن الخيار الذي اتخذته إيطاليا هو خيار مصيب.
قد نتوقع بعد ذلك أن تبدي الصين موقفاً استباقياً في الأسابيع المقبلة بشكل خاص، كتكتيك جذاب مفيد يمكن تطبيقه مع قرب طرح مبادرة الحزام والطريق في بكين في نهاية نيسان. وإذا أرادت الصين إضعاف القوى المناهضة لها في أوروبا والولايات المتحدة، وإقناع الدول الأوروبية الأخرى اتباع خطى إيطاليا، فعليها أن تبيّن أن مذكرة التفاهم ليست سوى صندوق يمكن أن يمتلئ بكل شيء. ولكن إذا كان الموقف الاستباقي سيترجم من الجانب الصيني إلى حقائق، فإن ذلك يعتمد بشكل أساسي على قدرة الجانب الإيطالي على تقديم مقترحات قابلة للتنفيذ من شأنها تنشيط مذكرة التفاهم وتحويلها إلى نجاح حقيقي.