دراساتصحيفة البعث

الجولان المحتل في عهدة المقاومة قبل وبعد  قرار ترامب

الدكتور سليم بركات

قرارات ترامب وتغريداته الحمقاء لا يمكن فهمها إلا في إطار التحالف الأمريكي الاسرائيلي الاستراتيجي لتصفية القضية الفلسطينية، إنها تكتيك ترامب- نتنياهو اليوم لقيام الدولة اليهودية تحت شعار صفقة القرن، والذي بدأ بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، واليوم الجولان السوري، وغداً غزة، وبعد غزة الضفة الغربية، وبعدها تفكيك الدول العربية قطعة قطعة، حفاظاً على أمن الكيان الصهيوني. والسؤال لماذا هذا التراخي العربي المذل في مواجهة الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، وهل من خيار لدى العرب سوى خيار المقاومة؟.

من أقوال القائد المؤسس حافظ الأسد: “لي وجهة نظر كاملة فيما يخصّ تحرير وطني… وللمهامات أولويات، لأن الشعوب عندما تحتل أوطانها أو بعضها، تصبح المهمة الأولى تحرير ما احتل من أرض الوطن، أما المهمات التالية فتنفذ في ضوء ما يخدم المهمة الأولى، وفي حال تعارض أي مهمة مع مهمة التحرير تلغى هذه المهمة ولا تنفذ، ونحن في سورية يجب أن نبحث عن الأداة التي تمكننا من انجاز مهمة التحرير من خلال المقاومة المزودة بالعتاد والسلاح، المقاومة المدفوعة بالأساليب الصحيحة على المستوى القومي، لأن المعركة قومية، وليست سورية، ولا فلسطينية، ولا أردنية، ولا مصرية، الأرض المحتلة هي بأكثر من قطر عربي بالإضافة إلى فلسطين… ولأننا شعب واحد يجب أن نستفيد من الطاقات العربية، ومن وجهة نظر عسكرية وجغرافية بحتة. أي أن نستفيد من القدرات العربية في سبيل الإعداد للمعركة…”.

كان هذا الكلام للقائد المؤسس في مطلع تشرين الثاني عام 1970، قبل الحركة التصحيحية المباركة التي قادها، وكان يقصد فيه كيفية تحرير فلسطين والجولان، وبقية الأراضي العربية المحتلة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو، أما تزال هذه الرؤية للقائد المؤسس صالحة لترشيد النضال العربي من أجل التحرير؟ كيف لا  وتحرير الأراضي العربية المحتلة وعلى رأسها الجولان المحتل، كان الشغل الشاغل للقائد المؤسس حافظ الأسد، كيف لا وقد كان يخصّ الذكرى السنوية التي تمر على احتلال الجولان، في العاشر من حزيران من كل عام، لتقويم ما أنجزته سورية على طريق تحرير الجولان؟. وتكون الدهشة عندما يعلم الإنسان أن القائد المؤسس قد فارق الحياة إلى دار الخلود في ساعة الإعلان عن سقوط القنيطرة في عام 1967، وكان ذلك في العاشر من حزيران عام 2000. تاركاً للأجيال اللاحقة أقدس مسؤولية، وهي مسؤولية تحرير الجولان في إطار رؤيته الشمولية للصراع العربي الإسرائيلي، والتي كان يراها صراعاً مع إسرائيل وحلفائها من خلال جولات تستمر لعدة أجيال.

الأطماع الإسرائيلية

الأطماع الإسرائيلية في هضبة الجولان بدت فعلية وواضحة من خلال تصريحات القادة الإسرائيليين في ضمه بعد عدوان  1967 ، ففي اليوم الذي توقف فيه القتال في 12 حزيران عام 1967، أعلن” ليفي أشكول” رئيس وزراء إسرائيل آنذاك عن أن القدس قد أصبحت موحدة وعاصمة لإسرائيل، وفي تموز من العام ذاته تقدم “إيغال آلون” بمشروعه التوسعي الذي حمل اسمه مشروع “آلون” إلى الحكومة الإسرائيلية لتجسده استيطاناً يهودياً في الأراضي العربية، ويقوم أساس هذا المشروع على اعتبار نهر الأردن الحدود الآمنة للكيان الصهيوني، وعلى ضمّ غزة، واعتبار الجولان منطقة آمنة حيوية لإسرائيل. وفي هذا الإطار من المباراة الاستيطانية بين حزبي العمل والليكود الصهيونيين أقرّ حزب العمل برنامجه الانتخابي للكنيست الثامنة عام 1973 أقرّ وثيقة “جاليلي” التي أطلق عليها آنذاك (وثيقة الضم الزاحف) في الوقت الذي كان فيه “بيغن” زعيم حزب الليكود يرفع شعار تطبيق القوانين الإسرائيلية على جميع الأراضي المحتلة باعتبارها أراض إسرائيلية محررة. أما في المجال السياسي التفاوضي، فقد ظلّ الموقف الإسرائيلي باتجاه إطالة أمد الاحتلال، تطبيقاً لسياسة الأمر الواقع الإسرائيلية التي ترتكز على مقولة عدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، مقابل أي اتفاقيات سلمية مع العرب، وزاد من تعنت إسرائيل وقوف الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانبها، الأمر الذي  دفع “غولدامائير” رئيسة وزراء إسرائيل في عام 1972 للقول: ” إن الوقت لم يحن بعد لرسم خريطة إسرائيل، ونحن لا نعلم بوجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني”.

القرارات الدولية

على المستوى الدولي بعد العدوان الإسرائيلي عام 1967 شهدت السياسة العربية الخارجية بعض النجاحات التي عزلت إسرائيل، ولاسيما بعد أن قطع الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية علاقاتهم الدبلوماسية معها، وبعد أن صدر عن كل من المؤتمرين مؤتمر عدم الانحياز، والمؤتمر الإسلامي القرارات التي تدين إسرائيل وتسوّغ للعرب استخدام كافة الوسائل لتحرير أراضيهم المحتلة عام 1967. هذا بالإضافة إلى مجموعة القرارات التي صدرت عن المؤسسات والهيئات الدولية التي تؤكد عدم جواز اكتساب الأرض عن طريق القوة، وضرورة تطبيق القرار 242 الصادر عن الأمم المتحدة، والقاضي بالانسحاب التام من الأراضي العربية المحتلة، وبطلان ضم القدس، وعدم شرعية الاستيطان للأراضي العربية المحتلة، وكذلك عدم شرعية الممارسات الإسرائيلية ضد السكان العرب الواقعين تحت الاحتلال أو ضد ممتلكاتهم. ولقد أصبحت إسرائيل نتيجة هذه العزلة مدانة على المستوى الدولي واعتبرت دولة عدوانية غير محبة للسلام، ومع ذلك بقي الموقف الأمريكي الموقف الداعم لها لم يتغير منذ عام 1967 وحتى يومنا هذا، وضمناً موقفها في حرب تشرين التحريرية عام 1973، وبقي الرؤساء الأمريكيون منذ عهد “نيكسون” وحتى ترامب يتفاخرون في تقديم دعمهم لإسرائيل لضمان تفوقها النوعي في منطقة الشرق الأوسط وعلى حساب شعوب المنطقة وفي طليعتها الشعب العربي الفلسطيني.

حرب تشرين التحريرية

كان لحرب تشرين التحريرية مجموعة من النتائج منها النصر المعنوي للإنسان العربي الذي عانى من الإحباط نتيجة هزيمة حزيران عام 1967، ومنها تحرير أجزاء من الأراضي العربية المحتلة في الجولان وسيناء، ومنها أن قضية الشعب العربي الفلسطيني قد أصبحت نتيجة هذه الحرب أكثر وضوحاً على المستوى الدولي، ومنها فاعلية التضامن العربي وإمكانية حشد الطاقات العربية في ظل شعار قومية المعركة، ومنها الهزّة الكبيرة التي أحدثتها هذه الحرب في البنية النفسية المجتمعية لإسرائيل والتي وصفت أنها أشبه بزلزال، ومنها تعزيز هذه الحرب لموقع العرب في ميدان العمل السياسي الدولي، أكان ذلك على المستوى الدبلوماسي، أم كان ذلك على المستوى الاقتصادي، وإلى حد اعتبرت هذه الحرب من خلال التجربة الرئيسة بعد الحرب العالمية الثانية في تقنية استخدام الأسلحة الحديثة ومدى تأثيرها، ويأتي في طليعة العبر المستقاة من تجربة هذه الحرب، صحة النظرية التي استند إليها القائد المؤسس حافظ الأسد في الإعداد للحرب وخوضها، وبأنها اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل بعد أن حطمت كل الأساطير التي نسجتها من حولها، وبعد أن أثبتت هذه الحرب أهمية الربط بين المعركة العسكرية والمعركة السياسية، وعلى أن الثانية قد جاءت وليدة الأولى، وهي متلازمة معها ومعتمدة عليها، ومع مرور الأيام بقيت تجربة حرب تشرين التحريرية تجربة عربية رائدة في استخدام الخيار العسكري من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة وفي طليعتها الأراضي العربية الفلسطينية، والجولان العربي السوري.

عملية السلام

بعد حرب تشرين التحريرية عام 1973، وقبول العرب بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل على أساس قرار مجلس الأمن رقم 338 لعام 1973 تأسست عملية السلام على خلفية هذه الحرب تحت رعاية الأمم المتحدة، لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 وكان انعقاد مؤتمر “جنيف” في كانون الأول عام 1973، مؤتمر شاركت فيه إسرائيل، ومصر، والأردن، وامتنعت سورية من الحضور، بسبب عدم التزام إسرائيل مسبقاً بإعادة الأراضي العربية المحتلة، وكذلك لعدم قبولها بحضور منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي فسح المجال لتسوية مصرية إسرائيلية بدأت بفك الاشتباك بين القوات المسلحة المصرية والإسرائيلية، ومن ثم اتفاقية “سيناء” عام 1975، لتليها اتفاقية” كامب ديفيد” عام 1979. أما فيما يخص المفاوضات السورية الإسرائيلية حول الانسحاب من الجولان، فقد كانت نتيجة لتطورات دولية حدثت في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن المنصرم، حيث الظروف الجديدة التي عقبت تفكك الاتحاد السوفيتي، وتحول النظام الدولي إلى نظام القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي أظهرت الرغبة في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، والذي عبر عنه الرئيس الأمريكي “جورج بوش الأب” أمام مجلس الشيوخ الأمريكي تنفيذاً للعهود التي قطعها للدول العربية المشاركة في تحرير الكويت عام 1991بقوله: “لقد حان الوقت لوضع نهاية للنزاع العربي الإسرائيلي” فكان مؤتمر مدريد عام 1991 الذي وافقت على حضوره سورية، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تحاول التملص من هذا الحضور لكنها حضرت، وانعقدت المفاوضات على مستوى السفراء في شباط عام 1994 وعلى مستوى رؤساء الأركان في كانون الأول عام 1994، وحزيران عام 1995، وفي هذا السياق قال القائد المؤسس حافظ الأسد في لقائه مع وفد من مواطني الجولان العربي السوري: ” كنا في الماضي نردد على الدوام أننا نريد السلام وقد قلنا ذلك بإخلاص، واليوم نحن نريد سلاماً شاملاً يحفظ كرامتنا، وتقبله شعوبنا، نحن نريد سلام الشجعان، سلام الفرسان، السلام الحقيقي الدائم الذي يحمي مصالح الجميع”، وعلى الرغم من هذه التصريحات الواضحة للقائد المؤسس، حضر الوفد الإسرائيلي المفاوضات وهو مصمم على الاحتفاظ بالمرتفعات السورية المحتلة(الجولان).

انتهت المفاوضات بين الوفدين السوري والإسرائيلي دون أن تسفر عن أية نتيجة، ولقد عبر “شامير” رئيس وزراء إسرائيل آنذاك عن هذه المفاوضات بقوله: ” إننا نريد مفاوضات لمجرد المفاوضات، لأننا نخطط لإطالة أمدها لعشر سنوات أخرى”. أما فيما يخصّ وديعة “رابين” فكل ما يمكن قوله أنه مسلسل يمثل نوعاً من النفاق والخداع المضلل تمارسه إسرائيل لقطع الطريق على كل سلام عادل شامل في هذا الاتجاه وعلى مستوى المنطقة. وتوضح هذه الحقيقة مقابلة نشرتها صحيفة “بديعوت أحرونوت” في الشهر التاسع من عام 2004 مع رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض
” أوري ساغي” قال بصراحة: ” أنا لا أعرف لماذا تنكر “ايهود باراك”  رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي حينها لوعوده، هل يعود ذلك إلى تكتيك معين، أم مجرد فهلوية و مناورة أخذت طابع المغامرة… يبدو أن باراك قد فقد رؤيته الشمولية، أو أنه قد جبن كون إسرائيل لم تف بتعهداتها حقيقة ثابتة”.

بقي أن نقول ليست الجولان أرضاً أمريكية حتى يهديها ترامب للكيان الاستيطاني الصهيوني، لكنها شريعة الغاب الأمريكية الممارسة، ليس على سورية فقط، وإنما على جميع دول العالم نظراً لعدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 497، الصادر عن مجلس الأمن الدولي في عام 1981، والذي يعتبر أرض الجولان أرضاً محتلة من قبل إسرائيل، إن قرار ترامب هذا يضع المنطقة في حالة حرب لا هوادة فيها، ويؤكد ضرورة وقفة عربية ودولية إلى جانب سورية ودول محور المقاومة، تحفظ حقوقها الشرعية في الجولان المحتل، وتقيها وتقي العالم من الهمجية الأمريكية الإسرائيلية.